الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَن اذنه وَالفلك والامواه (1)
ثمرة معرفة اسمه جل وعلا الملك
من عرف ان الله جل وعلا هو الملك الحق وانه ملك الملوك وانه إلهنا وخالقنا ورازقنا والمتصرف في جميع أمورنا، استغنى عن الخضوع لغيره، وأفرده سبحانه بالعبادة وابتعد عن الحرص والهوى وقد أحسن بعض الشعراء حين قال:
ملكت نفسي وكنت عبداً
…
فزال رقي وطاب عيشي
أصبحت أرضى بحكم ربي
…
ان لم أكن راضياً فأيشي (2)
فإذا علم العبد ما لله من الملُك والملِك فحقه ان لا يشح بما ملكه على طريق الوديعة، وان يكون سمح السجية والطبيعة، لأنه إنما استخلف على ما ملك أياماً قليله، فان ردها إلى مالكها أحسن رد، عاد عليه اشرف ملك، ونال عوضاً عنها ارفع ملك، فهو وان كان ملكاً علم انه مملوك لله الذي بيده ملك الدنيا والآخرة، فهو محتاج إلى ربه، فعليه ان يحسن فيما استخلف فيه، فمالكه ملك السماوات والأرض بيده العز والقهر والعظمة، فهو الذي
(1) - هذه الأبيات لعبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي نسبة إلى بُرع وهو جبل مجاور لتهامة باليمن، شاعر متصوف من سكان (النيابتين) ببرع، وقد تغنى بذلك في أكثر من قصيدة ومن ذلك قوله:
تَجري الرياح عَلى اختلاف هبوبها
…
أفي نيابتي برع تقيم
…
وقد رحل الأحبة يا نديم؟!
وشعره يسيل بعذوبة اللفظ، وجمال السبك، ولطف المأخذ، ونظارة الأسلوب، وحسن الإشارة، وانتقاء العبارة، وله في مدائح النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من القصائد التي كثيراً ما تتردد على لهوات المنشدين، ونسب إليه بعض العلماء الغلو في ذلك، وله أيضا من القصائد ما ضمنها محامد أثنى بها على الله عز وجل فأبدع وأجاد، وديوانه مطبوع مشهور متداول، توفي سنة 803هـ/1400م.
(2)
- فأيشي: أي فاي شيء
يعطي الملك وينزعه، ويبيد الدول ويقيمها، وإذا كان الله بهذه القدرة يسامح ويعفو ويعين ويصدق الوعد، فان من ملكه الله شيئاً وجب عليه أن يعين ويعفو وان يعدل وان يحسن السياسة ويصدق الوعد، ويبتعد عن الظلم فقد جاء في الحديث النبوي:(ثَلاثة لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(1) ، وذكر منهم ملكاً كذاباً، وهذا الوعيد يأتي لأنه ليس من شيم الملك الذي يتصرف بقدرة وحنكة الكذب وإنما هو خصلة قبيحة، لذلك فان المؤمن يجب عليه ان يتنزه عن ذلك، وأن لا يكون كما قيل:
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ
…
وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا
…
شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ (2)
ومن عرف ان الله ربه ومالكه ومعبوده وجب عليه ان لا يخاف إلا ربه ولا يرجو إلا مالكه، وان يفرده بالعبادة والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والخضوع له والصدق معه ومع إخوانه المؤمنين، فهو وحده سبحانه بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع.
(1) - أخرجه مسلم في صحيحه باب بيان غلظ تحرير إسبال الأزار حديث (107) .
(2)
- ديوان ابن زريق البغدادي، (420هـ1029م) أبو الحسن علي (أبو عبد الله) بن زريق الكاتب البغدادي، انتقل إلى الأندلس وقيل إنه توفي فيها، وله قصيدة عينية أسماها قمر في بغداد مطلعها:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
…
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه