الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَلِك مالك المُلك والمليك في الأسماء الحسنى
ان مما يجب على المكلف العاقل ان يعلم ان الله سبحانه وتعالى الملك
الحق المبين وحده لا شريك له، فهو الملك الآمر الناهي المعز المذل الذي يُصرّف أمور عباده، وانه وحده لا شريك له ملكنا ومالكنا ومليكنا وإلاهنا واليه نلجأ كما يرشدنا إلى ذلك ويأمرنا جل شأنه:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ} (1) ، فهو الملك الأعظم المطلع على السر والعلانية المحيط بكل شيء، فهو الموصوف بصفة الملك وهو مالك الملك جل جلاله وتقدست أسماؤه، فقد ورد هذا الاسم في التنزيل وفي السنة النبوية وأجمعت عليه الأمة المحمدية، ففي سورة الفاتحة يقول جل شأنه:{الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (2)، وفي قراءة:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (3) ،
…
وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله عليه وآله وسلم يقول: (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف (الرحمن الرحيم) ثم يقف وكان يقرؤها (ملك يوم الدين)(4) .
(1) - سورة الناس (1-3) .
(2)
- سورة الفاتحة (2) .
(3)
- هي قراءة نافع وهي قراءة متواترة.
(4)
- أخرجه الترمذي في القراءات حديث (2927) وقال: (هذا حديث غريب وبه يقول أبو عبيده ويختاره، هكذا روى يحيى ابن سعيد الأموي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكه عن أم سلمه، وليس إسناده بمتصل، لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكه عن يعلا بن مملك عن أم سلمه وحديث الليث اصح) ، وأبو داود في الحروف والقراءات حديث (4001) ، والبيهقي في السنن الكبرى ج (2) ص (44) واخرج الترمذي أيضا قراءة (مالك يوم الدين) عن انس حديث (2928) ، وقال عنه الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث الزهري عن انس إلا من حديث هذا الشيخ ايوب بن سويد الرملي، وأخرجه أبو داود في الحروف والقراءات حديث (4000) مرسلاً، والخلاصة ان القراءتين (ملك) و (مالك) متواترتان.
وروي انه كان يقرؤ (مالك) والقراءتان متواترتان، وثمرة اعمال القراءتين هو وجوب الإيمان بان الله جل وعلا يوصف بالملك والمالك، قال القرطبي: فأما ملك ومالك فقد جاء في القران قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (1)، وقال:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ} (2) ، وعند الترمذي (ملك) و (مالك) وقرأ القراء بهما ورويت القراءتان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما مليك فجاء أيضا في القران:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (3)، وهو كثير في أشعار العرب من ذلك:
فارضِ بما قسم المليك فإنما
…
قسم الخلاق بيننا علامها
وقال آخر:
تتبع خبايا الارض ودع مليكها
…
لعلك ان تجاب يوماً فترزقا
وهذا الاسم من أمهات الأسماء لان باب التعديل والتجوير يدور عليه، ووصف التنزيه والكمال في الإثبات معنى يسند إليه (4) ، فهو سبحانه الموصوف بصفة الملك، وهي صفة العظمة والكبرياء والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق في الخلق والأمر والجزاء، وله جميع العالم العلوي والسفلي كلهم عبيد ومماليك (5) ومضطرون إليه، ومعنى الملك الحقيقي ثابت له
(1) - سورة طه (114) .
(2)
- سورة آل عمران (26) .
(3)
- سورة القمر (55) .
(4)
- الآسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي ص (438-439) .
(5)
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص595و1023و1038، والجامع لأسماء الله الحسنى ص (968) .
سبحانه بكل وجه، وهذه الصفة تستلزم سائر صفات الكمال، فهو سبحانه الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته وبهرهم بملكه واستعبدهم بالاهيته، فتأمل هذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام، وأحسن سياق (رب الناس - ملك الناس- إله الناس) وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمنت معاني أسمائه الحسنى، أما تضمنها لمعاني الأسماء الحسنى:
فان الرب: هو القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، الحسن، المنعم، الجواد، المعطى المناع، الضار النافع، المقدم المؤخر، الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحق من الأسماء الحسنى.
وأما الملك: فهو الآمر، الناهي، المعز، المذل، الذي يصرف أمور عباده كما يحب ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحق من الأسماء الحسنى، كالعزيز، الجبار، المتكبر، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، المعز المذل، العظيم، الجليل، الكبير الحسيب، المجيد، الولي، المتعال، مالك الملك، المقسط الجامع إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.
وأما (الإله) : فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل في الاسم جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، فقد تضمنت هذه الأسماء
الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى، فكان المستعيذ بها جديراً بان يُعاذ، ويُحفظ، ويُمنع من الوسواس الخناس، ولا يسلط عليه (1) .
ويتضح من هذا العرض ان ملك الله جل وعلا تفرد فيه بالقوة والعظمة والقدرة المطلقة، والضر والنفع، والأفضال والإحسان، والإحياء والإماتة كما قال جل شأنه:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) ، وتفرده بالإحاطة بكل شيء، ونفاذ تصرفه في كل شيء، وحسن تدبيره وحكمته بوضع الأمور في مواضعها، فهو الملك الحق المقدس المنزه، وهو الملك القدوس العزيز الحكيم، وهو المقدم المؤخر، المعطي النافع، الذي يأتي الملك ممن يشاء وينزع الملك ممن يشاء كما يقول جل شأنه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (3) .
قال القرطبي: وهذا الاسم من أمهات الأسماء وهو يحتوي على معاني أكثرها، أو على كلها، فليس في الأسماء ما يعارضه، ولهذا انفرد سبحانه اسماً واستحق التسمية به لعشرة أمور لا توجد لغيره:
أحدها: وجود افتقار الملك إليه.
(1) - بدائع الفوائد للعلامة الجليل الإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الحنبلي الدمشقي المعروف بابن القيم الجوزية صاحب التأليف الماتعة والأخلاق الفاضلة والفقه الغزير، ج (2) ص (249) ، والجامع لأسماء الله الحسنى (269) .
(2)
- سورة الملك الآيتان (1-2) .
(3)
- سورة آل عمران الآيتان (26-27) .
والثانية: ان ملك كل الملك منه.
والثالث: انه يقول للشيء كن فيكون.
والرابعة: ثبوت الملك له قبل وجود الملك والمملوك.
والخامسة: استغناؤه عن الأعوان.
والسادسة: عموم الملك في الدنيا والآخرة.
والسابعة: ان جنده لا يحصون كثرة وقوة.
والثامنة: ان ملكه لا يبيد.
والتاسعة: ان العقول تحيل الشركة عليه.
والعاشرة: إحاطته سبحانه بملكه إحاطة لا يغيب عنه منها دقيق ولا جليل: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) .
وقال القاضي أبو بكر العربي: واختص سبحانه بنعوت- اقتضاها كونه ملكاً - جماعها احد عشر حكماً:
احدها: انه يعز من يشاء ويذل من يشاء ويستحيل عليه الإذلال.
الثانية: انه المملك لغيره السالب له.
الثالث: انه الممكن لسواه المانع له.
الرابع: انه يولي ويعزل ولا يتوجه عليه بالعزل.
الخامس: انه المنفرد بالعز والسلطان لا يشارك فيه احد.
السادس: انه يقضي ولا يقضى عليه.
السابع: ان الإنفاق إليه، يرزُق ولا يرزَق، ويطعِم ولا يطعَم.
الثامن: انه يؤلم ولا يتألم.
(1) - سورة الحديد الآية (3) .
التاسع: انه يضر وينفع، ولا يتوجه عليه الضر والنفع.
العاشر: انه يَحرس ولا يُحرس.
الحادي عشر: ان العرض عليه، والثواب والعقاب إليه، والعفو لا يرجى إلا لديه، وفي كل نعت منها أية وحديث يدل عليه (1) .
وقد أحسن من قال:
ملك تدين له المُلوك وَيلتجى
…
يَومَ القيامة فقرهم بِغناه
هُوَ أوّل هُوَ آخر هو ظاهر
…
هُوَ باطِن لَيسَ العيون تَراه
حجبته أَسرار الجَلال فَدونه
…
تَقِف الظنون وَتخرس الافواه
صمد بِلا كفء وَلا كَيفية
…
أَبدا فَما النظراء والاشباه
شهدت غَرائب صنعه بوجوده
…
لَولاه ما شهدت به لَولاه
واليه أذعنت العُقول فآمنت
…
با لغيب تؤثر حبها اياه
سُبحان من عنت الوجوه لوجهه
…
وَله سجود أَوجه وَجباه
طوعا وَكرها خاضعين لعزه
…
فَله عليها الطوع والإكراه
سل عنه ذرات الوجود فانها
…
تدعوه معبودا لها رباه
ما كانَ يعبد من اله غيره
…
وَالكل تحت القهر وَهواله
أَبدى بمحكم صنعه من نطفة
…
بشرا سويا جل من سواه
وَبَني السَموات العَلي وَالعَرش
…
وَالكرسيّ ثم عَلى الجَميع علاه
وَدحا ببسط الأَرض فَرشا مثبتا
…
بالراسيات وَبالنبات حلاه
(1) - الآسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى للإمام شمس الدين أبي عبد الله القرطبي ص (451-452) ، راجعه وأشرف على تحقيقه أبو عبد الله مصطفى بن العدوي تحقيق الشحات الطحان، الناشر مكتبة فياض المنصورة مصر الطبعة الأولى 1427هـ2006م.