الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَّعْرُوفاً} (1)، وأرشد الحق جل شأنه إلى التوسط في الإنفاق فقال:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} (2) .
حب المال
المال نعمة محببه وفضل مدخر وخادم أمين يعين صاحبه على قضا حاجاته وهو خير إن استعمل وسيلة للخير ومنا فعه أكثر من أن تحصى ولمّا عرف الناس قيمة المال أحبوه حباً جمّا فحرصوا على جمعه فكأنهم جبلوا على ذلك كما أخبر الحق سبحانه وتعالى عن حال بني الإنسان بقوله: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} (3) ، فالإنسان صار من الشدة عليه بمكان، وفي الذكر الحكيم:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (4)،وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه:ياحبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي،وقال سفيان الثوري رحمه الله:المال سلاح المؤمن في هذا الزمان.
وقد أثنى الحق سبحانه وتعالى على من أنفق المال في وجوه البر مع شدة حبه له فقال: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} (5) ، ومن رحمة الله أن الحق سبحانه وتعالى لم يمنع من حبه بل أرشد إلى أخذه من حله وصرفه في محله، وإنما الممنوع مؤاثرة حب المال على حب الله ورسوله، أو حبه كحب الله ورسوله وحب شريعته ونبيه، ورحم الله شوقي حيث يقول:
وَمَن يَعدِل بِحُبِّ اللَهِ شَيئاً
…
كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوىً وَخابا
فأسعَ أخي لجمع المال من الحلال فإن ذلك يقيك ذل السؤال، واصرفه فيما ينفع، فإن ذلك يشفع ويرفع، ولا تحرص على بقائه فإنك مسئول عن خيره وشره ونفاده ونمائه، ولله در علي بن الجهم حيث يقول:
أَيا جامِعَ المالِ وَفَّرتَهُ
…
لِغَيرِكَ إِذ لَم تَكُن خالِدا
فَإِن قُلتَ أَجمَعُهُ لِلبَنينَ
…
فَقَد يَسبِقُ الوَلَدُ الوالِدا
وَإِن قُلتَ أَخشى صُروفَ الزَمانِ
…
فَكُن في تَصاريفِهِ واحِدا
وقال الشريف الرضي:
أَبُثُّكَ أَنَّ المالَ عارٌ عَلى الفَتى
…
وَما المالُ إِلاّ عِفَّةٌ وَقُنوعُ
وله أيضاً:
إِذا المالُ أَصبَحَ في الباخِلينَ
…
فَإِنَّ مُرَجّي الغِنى في تَعَب
السعي في طلب المال وإصلاحه
السعي في طلب المال من الحلال فريضة، وإصلاحه نعمة، والتكاسل عن انفاقه في وجوه الخير فتنة ومحنة، ولله در القائل:
(1) - سورة النساء الآية (5) .
(2)
- سورة الإسراء الآية (29) .
(3)
- سورة الفجر الآية (20) .
(4)
- سورة العاديات الآية (8) .
(5)
- سورة البقرة الآية (177) .
لَمالُ المَرءِ يُصلِحُهُ فَيُغني
…
مَفاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ القُنوعِ (1)
وقال آخر:
أَرى كُلَّ ذي مالٍ يبر بِمالِهِ
…
وَإِن كانَ لا أَصلٌ هُناكَ وَلا فَضلُ (2)
فالمال يذهب بالفقر، ويعين على الخير، ويرغب الناس في صاحبه، ولله در القائل:
الفَقرُ يُزري بِأَقوامٍ ذَوي حسبٍ
…
وَقد يُسوّدُ غَيرَ السيِّدِ المالُ
وأما الشريف الرضي رضي الله عنه فهو يقول:
لا أَطلُبُ المالَ إِلاّ مِن مَطالِبِهِ
…
وَلا يَفي لِيَ بَذلُ المالِ بِالمِنَنِ
وله أيضاً:
رأيت حلال المال خير مغبة
…
وأجدر أن يقى على الحدثان
وإياك والمال الحرام فإنه
…
وبال إذا ما قدم الكفنان
وقال آخر:
الفقر يزري بأقوام ذوي حسبٍ
…
وربما ساد جبس القوم بالمال
ويرحم الله شوقي حيث يقول:
وَلَم أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً
…
وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابا
فَلا تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها
…
كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَرابا
وَخُذ لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخراً
…
وَأَعطِ اللَهَ حِصَّتَهُ اِحتِسابا
(1) - هذا البيت للنجاشي الحارثي، وانظر ترجمة النجاشي الحارثي في الشعر والشعراء ج1ص246، ولباب الأدب ص292.
(2)
- ورد هذا البيت في العقد الفريد لابن عبدربه ج2ص336.
أما المتلمس فهو يرى أن قليل المال الذي تصلحه خير من الكثير مع الفساد وذلك حيث يقول:
وَأَعلَمُ عِلمَ حَقٍّ غَيرَ ظَنٍّ
…
وَتَقوى اللَهِ مِن خَيرِ العَتادِ
لَحِفظُ المالِ أيسَرُ مِن بُغاهُ
…
وَسَيرٍ في البِلادِ بِغَيرِ زادِ
وَإِصلاحُ القَليلِ يَزيدُ فيهِ
…
وَلا يَبقَى الكَثيرُ مَعَ الفَسادِ (1)
وقال ابن قتيبة: حدثني الخفعني قال: أحسن بيت قيل في حفظ المال بيت منجنوف بن مرة السلمي:
وادفع عن مال الحقوق وإنه
…
لجم فإن الدهر لجم مصائبه (2)
وقال آخر:
وكان المال يأتينا فكنا
…
نبذره وليس لنا عقول
فلما أن تولى المال عنا
…
عقلنا حين ليس لنا فضول (3)
وفي الحديث النبوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: {طلب الحلال فريضة بعد الفريضة} (4)،قال ابن الرومي:
سعيُ السُّعاةِ لفضل المال بعد غِنىً
…
حِرمٌ كما طلبُ الأقواتِ مُفترض
وقديما قيل لا خير فيمن لا يجمع المال يصون به عرضه ويحمي به مروئته،ويصل به رحمه،وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:حسب الرجل ماله وكرمه دينه ومروئته خلقه.
(1) - الشعر والشعراء ج1ص190.
(2)
- عيون الأخبار لابن قتيبة ج2ص192، الناشر: وزارة الثقافة المصرية.
(3)
- ورد هذا البيت في محاضرة الأدباء ص506.
(4)
-المعجم الكبير ج10 ص 74 حديث رقم (9993) .