الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاث نصائح أسديها إليك فلا تنساها في سفرك وحضرك:
الأولى: المحافظة على شكلك ومظهرك ونظافتك واصلاح هندامك، لا تترك ثوبك متسخاً، ولا شعرك ثائراً، ولا سلوكك شائناً، فجمال ظاهرك يدل على جمال باطنك، وفي الحديث:(إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)(1)، قال الشافعي:
أَجِدُ الثيابَ إِذا اكتَسَيتُ فَإِنَّها
…
زينُ الرِجالِ بِها تَعزُّ وَتَكرُمُ
وَدَعِ التَواضُعَ في الثيابِ تَخَشُّعاً
…
فَاللَهُ يَعلَمُ ما تَجِنُّ وَتَكتُمُ
فَرَثاثُ ثَوبِكَ لا يَزيدُكَ زُلفَةً
…
عِندَ الإِلَهِ وَأَنتَ عَبدٌ مُجرِمُ
وَبهاءُ ثَوبِكَ لا يَضُرُكَ بَعدَ أَن
…
تَخشى الإِلَهَ وَتَتَّقي ما يَحرُمُ
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنكاره على من أتاه يسأله عن خبر السماء وهو لا يحافظ على طهارة بدنه ونقاء أظفاره من الخبث والتفث، أخرج الإمام احمد في المسند من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال:(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن خبر السماء فقال: أتسألني عن خبر السماء وتدع أظفارك كأظفار الطير فيها الخباثة والتفث)(2) ، وهذا الحديث دليل على مشروعية النظافة والمحافظة على الصحة، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر على من أتاه يسأل خبر السماء وهو لا يحافظ على طهارة بدنه ونقاء أظفاره من الخبث والتفث -أي الوسخ الذي خلف أصابعه- ، وجاء
(1) - أخرجه مسلم في صحيحه باب تحريم الكبر وبيانه حديث (131) .
(2)
- أخرجه أحمد في المسند ج5ص417.
في حديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا ثائر الرأس فقال: أما يجد هذا ما يسكن به شعره، ورأى رجلاً وسخ الثياب فقال: أما يجد هذا ما ينقي به ثيابه؟)(1) .
ثم عليك أخي أن تتذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استعاذ بالله من وعثاء السفر، وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا رأى بلداً يريد دخوله قال:(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا)(2)، وكان يقول:(لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلا قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ)(3) .
الثانية: لا تترك الرياضة غير المبتذلة، لأنها تبعث على النشاط والصحة، حيث أن السفر لم يعد على الأقدام، فلا عليك إن سبحت ومارست شيأ من الرياضة.
وقد جاء في هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يدل على مشروعية رياضة المشي والسباق، فهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في بعض أسفاره وأنا
(1) - المستدرك على الصحيحين للحاكم كتاب اللباس حديث (7380) .
(2)
- أخرجه النسائي في السنن الكبرى ج5ص256 حديث (8826) .
(3)
- أخرجه ابن ماجه في سننه باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه حديث (3537) .
جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني فجعل يضحك، وهو يقول: هذه بتلك) (1) .
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإرشاد إلى تعليم الأبناء: السباحة والرماية وركوب الخيل، وكل ذلك مما يمرن البدن على الحركة والخفة ويدفع المرض وينشط من الكسل.
الثالثة: المحافظة على السكينة والوقار بتجنب المزاح المذموم الضار، وتوقَ مخالطة الأشرار، فما سعد من أشقى اخوانه، واضاع أخلاقه، وأكثر من المزاح المذموم، فإن من أعظم الفجائع إضاعة الصنائع، وعدم شكر الصانع، فأشرف الخُلق لطف النطق، وكرم السجية، فمن غاضك بقبح الشتم منه فغضه بحسن الحلم عنه، وكم تفرق من اخوان بسبب المزاح، قال الشاعر:
بُليتُ وَكانَ المَزحُ بَدءَ بَلِيَّتي
…
فَأَحبَبتُ حَقّاً وَالبَلاءُ لَهُ بَدوُ
رَأَيتُ الهَوى جَمرَ الغَضا غَيرَ أَنَّهُ
…
عَلى كُلِّ حالٍ عِندَ صاحِبِهِ حُلوُ
أَذابَ الهَوى جِسمي وَلَحمي وَقُوَّتي
…
فَلَم يَبقَ إِلا الروحُ وَالجَسَدُ النَضوُ (2)
(1) - مسند أحمد حديث (2687) - وسنن أبي داود، كتاب الجهاد باب السبق على الرجل، حديث (2578) .
(2)
- هذه الأبيات لأبي العتاهية.
وقال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
وَدَعِ المُزاحَ فَرُبَّ لَفظَةِ مازِحٍ
…
جَلَبَت إَلَيكَ مساوئاً لا تُدفَعُ
قال أبو حاتم رضي الله عنه -وقد أفاد وأجاد-: "المزاح على ضربين: مزاح محمود ومزاح مذموم، فأما المزاح المحمود: فهو الذي لا يشوبه ما كره الله عز وجل ولا يكون به إثم ولا قطيعة رحم، وأما المزاح المذموم: فالذي يثير العداوة ويذهب البهاء ويقطع الصداقة ويجرأ الدنيء ويحقد الشريف به".
وعن ربيعة قال: "إياك والمزاح فإنه يفسد المودة ويغل الصدور".
وعن عبد الله بن حبيق قال: كان يقال: "لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا تمازح الوضيع فيجترأ عليك".
قال الشاعر:
اكرم جليسك لا تمازح بالأذى
…
إن المزاح ترابه الأضغان
كم من مزاح جذَّ حبل قرينه
…
فتجذمت من أجله الأقران (1)
وقال أبو حاتم رضي الله عنه: المزاح إذا كان فيه إثم فهو يسود الوجه، ويدمي القلب، ويورث البغضاء، ويحيي الضغينة، وإذا كان من غير معصية فهو يسلّي الهم ويوقع الخلة، ويحيي النفوس، ويذهب الحشمة، فالواجب على العاقل أن يستعمل من المزاح ما ينسب بفعله إلى الحلاوة، ولا ينوي به أذى أحد ولا سرور أحد بمساءة أحد. (2)
(1) - روضة العقلاء ص63.
(2)
- روضة العقلاء ص65.
قلتُ: ولا شك أن المزاح في غير طاعة الله مسلبة لبهاء الإنسان ووقاره، وحقل ينبت الغل والضغينة في صدور الرجال والنساء على حد سوى، ويجرّ إلى المراء، ويحول الأصدقاء إلى أعداء، أما إذا كان بقصد استمالة القلوب، وإدخال السرور عليها، والابتعاد عن تعبس الوجه وتقطبه وبما لا إثم فيه ولا قطيعة فهو حسن، وقد روى أَبُو قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ غُلامٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ قَالَ أَبُو قِلابَةَ: يَعْنِي النِّسَاءَ)(1) ، شبه النساء بالقوارير التي يسرع إليها الكسر.
ومن آداب الرجوع من السفر أن لا يطرق المسافر أهله ليلاً، إلا لضرورة، فالعاقل هو الذي يعلم أهله بوقت وصوله، ففي الحديث النبوي:(كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لا يَدْخُلُ إِلَاّ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً)(2) .
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه باب المعاريض مندوحة عن الكذب حديث (5742) .
(2)
- أخرجه البخاري في صحيحه باب الدخول بالعشي حديث (1673) .