المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نجاح الأفراد والأمم وأثر الاتفاق والاختلاف على الأسرة الإنسانية - صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال - جـ ١

[حسين بن محمد المهدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالعِلْم

- ‌العلم هو إدراك الشيء بحقيقته

- ‌بقاء العلم

- ‌العلم عون الدين

- ‌العلم يرفع الله به الوضيع

- ‌العلم عنوان العز

- ‌أشرف العلوم

- ‌مبادئ العلوم

- ‌الجد في طلب العلم

- ‌محبة العلم

- ‌تكريم المعلم

- ‌المعلم الذي لا يؤدي واجبه

- ‌المعلم الذي يخالف علمه عمله

- ‌ترك المعاصي سبب في حفظ العلوم وجمعها

- ‌إنفاق العلم وعدم جواز كتمه

- ‌القصة في الحديث النبوي

- ‌الجهل يضاد العلم

- ‌العليم الخبير في أسماء الله الحسنى

- ‌علم الله جل وعلا علم تفرده به

- ‌ثمرة معرفة اسم الله تعالى العليم الخبير

- ‌دعاء الله باسمه العالم العليم

- ‌الفصل الثانيالعَقْل

- ‌العقل

- ‌العقل والهوى متعاديان

- ‌عداوة العاقل خير من صداقة الأحمق

- ‌العقل مناط التدبر وطريق الهدى والرشاد

- ‌العقل نوعان: مطبوع ومسموع

- ‌الإنكار على من لم يُعمِل عقله

- ‌التجارب تزيد في العقل

- ‌الأدب النفسي ودوره في تنمية العقل

- ‌كمال العقل

- ‌القصة

- ‌العقل يرشد الى توحيد الله

- ‌اسم الله دال على جميع الاسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الجامع للاسماء الحسنى

- ‌دعاء الله باسمه الجامع للاسماء الحسنى

- ‌الفصل الثالثالإنسانية أصلها واحد

- ‌الإنسانية أصلها واحد

- ‌القصة

- ‌الإسلام يدعو إلى الأخوة والتعاون

- ‌مبدأ الوحدة الإنسانية والمساواة البشرية

- ‌نجاح الأفراد والأمم وأثر الاتفاق والاختلاف على الأسرة الإنسانية

- ‌مراحل نمو خَلق الإنسان تدل على أن الله وحده الخالق المنان

- ‌الخالق في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الخالق وحده لا شريك له

- ‌دعاء الله باسمه الخالق

- ‌الفصل الرابعالقلم

- ‌القلم

- ‌القلم تحيا به الأمم وتتعلّم

- ‌دور القلم في سعادة الأمم وشقاؤها

- ‌القلم الالكتروني

- ‌الكتابة الإلكترونية: ماهيتها وطبيعتها

- ‌القوة الثبوتية للكتابة الالكترونية

- ‌تسمية ما يكتب فيه عند العرب

- ‌الكَتبُ إنشاؤه وزبره

- ‌السطر

- ‌الكتاب عرضه وحفظه

- ‌الحفيظ والمحصي من أسماء الله الحسنى

- ‌دعاء الله باسمه الحفيظ الحافظ المحصي

- ‌الفصل الخامسالإيمان

- ‌الإيمان

- ‌النجاة في الإيمان بالله

- ‌الرفعة بالإيمان

- ‌الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌القدر في القرآن

- ‌الرضا والتسليم دليل الإيمان

- ‌قصة إيمان أهل الكهف في القرآن

- ‌الإيمان بالله يزيل الهم

- ‌من يؤمن بالله يهدي قلبه

- ‌الخلال الدنيئة ليست من صفات المؤمن

- ‌النفاق يضاد الإيمان

- ‌الإيمان بالغيب

- ‌علم الفلك والنجوم

- ‌الإيمان بأسماء الله وصفاته

- ‌الذكر يقوي الإيمان

- ‌ذكر الله في جوف الليل

- ‌ذكر الله شرف ونعمة

- ‌الدعاء يقوي الإيمان

- ‌من تقرب إلى الله بالدعاء ضمن الإجابة

- ‌المؤمن من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة التعرف على اسم الله المؤمن

- ‌الفصل السادسالعمل

- ‌العمل

- ‌العمل سبب الغنى

- ‌البكور في طلب الرزق

- ‌الحرفة أو الصنعة ضرورة

- ‌إتقان العمل

- ‌البحث عن العمل

- ‌القصة

- ‌إعطاء العامل أجره

- ‌إعطاء العامل حظه من الراحة

- ‌بعث الهمم على العمل

- ‌الباعث في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الباعث

- ‌الدعاء باسم الله الباعث

- ‌الفصل السابعالسفر والسياحة

- ‌السفر والسياحة

- ‌حقيقة السفر

- ‌السفر فيه قضاء الحوائج

- ‌علاج (الروتين) الممل

- ‌تأكد من قدرتك الصحية على السفر

- ‌آداب السفر

- ‌الابتسامة والبهجة في السفر

- ‌ثلاث نصائح أسديها إليك فلا تنساها في سفرك وحضرك:

- ‌الاستمتاع بالسفر والسياحة لا يعني السقوط في الوحل

- ‌حاجة المسافر إلى قراءة شيء من القرآن في أسفاره

- ‌المشي يعين على الطاعة ويجلب السعادة

- ‌العز والشرف في التنقل

- ‌أخطار السفر في هذا الزمن قليلة فتمتع بنعمته الكبيرة

- ‌الطائرات السابحات في الجو

- ‌السفر يهدي إلى التعرف على عظمة الصانع جلت قدرته

- ‌الهادي من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الهادي

- ‌دعاء الله باسمه الهادي

- ‌الفصل الثامنالحرية والإباء

- ‌الحرية والإباء

- ‌الحرية التي ليس عليها ضوابط

- ‌الحرية ليس لها ثمن

- ‌لوم الحر نجاة له

- ‌الحر لا يريق ماء وجهه

- ‌الحر يأبى الذل والهوان

- ‌الحر يحفظ الود

- ‌فقد الحر رزيئة

- ‌الفصل التاسعالوطن

- ‌الوطن

- ‌حب الوطن ووصفه

- ‌دعائم المواطنه

- ‌وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه،وأن النصر للمظلوم

- ‌خيانة الأوطان جناية

- ‌مرارة الغربة عن الأوطان

- ‌وطن العرب والمسلمين واحد

- ‌خصوصية الوطن الأول

- ‌في الانتقال عن الأوطان

- ‌الفصل العاشرالمال

- ‌المال

- ‌حب المال

- ‌إنفاق المال في وجوه البر

- ‌لا تبخل عن بذل المال

- ‌فتنة المال وميل الناس إلى صاحبه

- ‌ذهاب المال

- ‌الغنى والفقر

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الغني المغني الرزاق

- ‌دعاء الله بأسمه الغني المغني الرزاق

- ‌الفصل الحادي عشرالمُلك والسياسة

- ‌المُلك والسياسة

- ‌الملك هبة الله الواحد المنان

- ‌اختيار الوزراء

- ‌مما يستعان به على السياسة

- ‌وملاك الأمر في هذا كله تقوى الله والرجوع إليه

- ‌فساد بطانة السلطان

- ‌السياسة الرعناء

- ‌خساسة السياسة

- ‌السياسة الرشيدة والملك المحبوب

- ‌طاعة السلطان

- ‌المَلِك مالك المُلك والمليك في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه جل وعلا الملك

- ‌دعاء الله باسمه الملك والمَالِك ملك الملُك

- ‌الفصل الثاني عشرالشُكر

- ‌الشُكر

- ‌استدامة النعمة بالشكر

- ‌شكر الخالق واجب

- ‌من شكر الله شكر الناس

- ‌الشكر فيه الزيادة

- ‌الشكر أمان من العذاب

- ‌جحود النعمة والإعراض عن الشكر سبب في الهلاك

- ‌الشكور الشاكر من أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة هذا الاسم

- ‌الفصل الثالث عشرالكِبر

- ‌الكِبر

- ‌الكِبر يغضب الجبار، ويكون سبباً في دخول النار

- ‌المتكبرون شرار الناس

- ‌الكِبر بطر الحق

- ‌أسباب الكبر

- ‌قصه للأحنف بن قيس

- ‌الكبير والمتكبر في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الكبير المتكبر

- ‌دعاء الله باسمه الكبير المتكبر

- ‌الفصل الرابع عشرالتواضع

- ‌التواضع

- ‌حقيقة التواضع وفضيلته

- ‌التواضع فريضة، والعُجب رذيلة

- ‌قصة لهارون الرشيد مع اللأمام مالك

- ‌الفصل الخامس عشرالحُب

- ‌الحُب

- ‌مفردات الحب

- ‌ضرورة الحب وحاجة الناس إليه

- ‌امنح الثقات محبتك

- ‌الحب وآدابه

- ‌آفات الحب

- ‌الحب زينة الحياة

- ‌حب الجمال نعمة

- ‌حب الله

- ‌محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر محبةً له ولأهل بيته

- ‌محبة المؤمنين

- ‌محبة الله لعبده أعظم نعمة

- ‌الفرق بين الحب والود

- ‌الودود من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الودود

- ‌الفصل السادس عشرالجمال

- ‌الجمال

- ‌جمال الإنسان

- ‌جمال الكون

- ‌الجميل في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الجميل

- ‌دعاء الله باسمه الجميل الجليل

- ‌الفصل السابع عشرالحَسَدُ

- ‌الحسد

- ‌الحاسد جاحد

- ‌الحسد خطير وعلاجه عسير

- ‌الحاسد لا يرد قدر الرازق

- ‌الحسد ذميم فلا تتخلق به

- ‌الكرام من الناس تُحسد

- ‌قصة لقيس بن زهير:

- ‌علاج الحسد

- ‌الفصل الثامن عشرالغيبة

- ‌الغيبة

- ‌حد الغيبة

- ‌من اغتاب أغتيب

- ‌قصة للحسن البصري رحمه الله

- ‌علاج الغيبة

- ‌الصمت وأدب اللسان

- ‌الإصغاء إلى الغيبة

- ‌الأعذار المرخصة في الغيبة

- ‌الفصل التاسع عشرالنميمة

- ‌النميمة

- ‌قصة لعمر بن عبد العزيز رحمة الله:

- ‌سوء الظن

- ‌الجاهل يسيء الظن باخوانه

- ‌ثمرة النميمة

- ‌ذو الوجهين

- ‌الفصل العشرونالأمانة

- ‌الأمانة

- ‌تقدير الناس للأمانة

- ‌الأمانة في الإيمان بالله وعبادته

- ‌ترك الأمانة نفاق

- ‌الأمانة في الولايات

- ‌الأمانة في الأسرة

- ‌أمانة الزوجة تقتضي حفظ أسرار زوجها

- ‌تربية الأولاد وتعليمهم أمانة

- ‌الأمانة في الأخلاق والمعاملات

- ‌الخيانة مذمة وندامة

- ‌الخيانة أسوأ ما يبطنه الإنسان

- ‌الفصل الحادي والعشرونالحِلم

- ‌الحِلم

- ‌الحلم حلية العلم

- ‌الحليم حاذق لبيب

- ‌الحلم ثبات ورفعة

- ‌الحليم ذو عزة

- ‌قصة للرشيد

- ‌الحليم اسم من أسماء الله تعالى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الحليم

- ‌دعاء الله باسمه الحليم

- ‌الفصل الثاني والعشرونالرفق

- ‌الرفق

- ‌الرفق يحبه الله

- ‌التزام الرفق ومباينة العنف

- ‌الرفيق من الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى الرفيق

- ‌دعاء الله باسمه الرفيق

- ‌الفصل الثالث والعشرونالصبر

- ‌الصبر

- ‌الصبر مفتاح النجاح

- ‌الصبر يعقبه الفرج

- ‌الصبر والرضا به

- ‌الحر الصابر لا يريق ماء وجهه

- ‌الصبور في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى الصبور

- ‌دعاء الله باسمه الصبور

- ‌الفصل الرابع والعشرون‌‌العفو

- ‌العفو

- ‌الكريم يعفو

- ‌العز في العفو

- ‌العفو في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة التعرف على اسم الله العفوُ

- ‌قصة للقمان مع ابنه

- ‌دعاء الله باسمه العفوُ

- ‌الفصل الخامس والعشرونالكرم

- ‌الكرم

- ‌خلق الكريم المحافظة على مكارم الأخلاق

- ‌الكريم يكرم ضيفه

- ‌الكريم يجود ولا يبخل

- ‌قصة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم

- ‌اللؤم ضد الكرم

- ‌الكرم والبخل لا يتفقان

- ‌فخر الرجال كرمهم

- ‌الأكرم الكريم في أسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الكريم الأكرم

- ‌دعاء الله باسمه الكريم

- ‌الفصل السادس والعشرون‌‌العدل

- ‌العدل

- ‌العدل في الكلام

- ‌العدل في الشهادة

- ‌وصفُ الحسن البصري للإمام العادل

- ‌العدل في القضاء بين الناس

- ‌قصة رواها الأمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه

- ‌قصة روتها خولة بنت قيس

- ‌العدل يحبه الله والظلم لا يحبه

- ‌الظلم في الأمثال السائرة

- ‌دعوة المظلوم لا ترد

- ‌الشرك أعظم أنواع الظلم

- ‌عاقبة الظلم

- ‌العدل في الأسماء الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه تعالى العدل

- ‌دعاء الله باسمه وصفته العدل

- ‌الفصل السابع والعشرون‌‌الصدق

- ‌الصدق

- ‌الصدق يألفه الكريم

- ‌الصدق يرفع المرء في الدارين والكذب يهوي به في الحالين

- ‌الكذب يضاد الصدق ويجانبه فتجنبه

- ‌مضرة الكذب

- ‌مكانة الصدق رفيعة

- ‌دعاء الله الصادق الكريم

- ‌الفصل الثامن والعشرونالصديق والجليس

- ‌الصديق والجليس

- ‌اصطفاء الصديق من الأخيار

- ‌صداقة الأشرار عار

- ‌التلون في الصداقة

- ‌فراق الصديق المتلون

- ‌مفارقة جليس السوء

- ‌وفاء الصديق

- ‌مصاحبة الجاهل والأحمق

- ‌صداقة الكسلان ومجالسته

- ‌صداقة العدو

- ‌من الصداقات ما يؤذي

- ‌الاحتمال للصديق واستبقاء وده

- ‌الفصل التاسع والعشرونالأخلاق الحسنة

- ‌الأخلاق الحسنة

- ‌الخُلق الحسن منزلة رفيعة

- ‌التآلف والحب بحسن الخلق

- ‌من حسّن الله خَلقه ينبغي أن يحسن خُلقه

- ‌قصة خروج جابر مع رسول الله (ص) في غزوة ذات الرقاع

الفصل: ‌نجاح الأفراد والأمم وأثر الاتفاق والاختلاف على الأسرة الإنسانية

الثانية أن الأب واحد (1){يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (3) .

‌نجاح الأفراد والأمم وأثر الاتفاق والاختلاف على الأسرة الإنسانية

من الأمور التي يتفق عليها العقلاء من الناس أن الناس يتفاوتون في أقدارهم ومكانتهم، فمن الأفراد من يتمتع باحترام الناس وتقديرهم وتوقيرهم، يتعامل الناس معه باحترام وأدب ووقار، ومن الناس من لا يتبوء هذه المكانة ولا يكون الناس سعداء بالتعامل معه، وكذلك الأمم حالها كالأفراد، فمن الأمم أمة في الذروة من الاحترام تقول الكلمة فتدوي لكلمتها الدنيا، وتنحني لها الرؤس، ويخطب ودها وصدقاتها، ومن الأمم من لا يصوغ لها مركزها أن تتكلم كلمة ولو تكلمت كان كلامها موضع ضحك وسخرية.

ترى فما هو سر نجاح الأفراد والأمم مع أن أصل البشرية واحد والناس سواسية -وقد سبق بيان ذلك-؟

(1) - انظر: السيرة النبوية كتبها العلامة الداعية الحكيم أبو الحسن علي الحسني الندوي، ص473 ، الناشر: دار القلم دمشق، الطبعة الأولى 1422هـ2001م.

(2)

- سورة النساء الآية (1) .

(3)

- سورة الحجرات الآية (13) .

ص: 88

قلنا: هناك عوامل عدة لنجاح الأفراد ولنجاح الأمم، فالإنسان يعيش حياته بين دائرتين: دائرة هموم ودائرة تأثير، فدائرة الهموم: في الأمور التي تهمك لكنك قد لا تملك التأثير فيها، وأما دائرة التأثير: في الأشياء التي يمكنك أن تؤثر فيها إيجاباً أو سلباً، فإن الناجح من الناس تتسع دائرة تأثيره بصورة ملحوظة، فهو يسعى إلى التأثير في الأشياء بوجه حسن وهمة عالية، بتفكير سليم وخلق قويم وعمل مستديم.

فالعاقل يعرف أن كل شيء يصنع مرتان، يصنع أولاً في الذهن، ثم يصنع بعد ذلك في أرض الواقع، فأنت الذي تصنع الأمل وتستشرف المستقبل بناءً على تطلعاتك قبل حدوثها.

وهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان ينوه في بداية الدعوة عن إيمان وعزيمة وثبات ويقول: (ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل يعز بعز الله في الإسلام ويذل به في الكفر)، وكان تميم الداري رضي الله عنه يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان كافرا الذل والصغار والجزية (1) .

وقد يقول أحدنا: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى فهو يخبر عن أمر أخبره الله تعالى به فهو متحقق الوقوع، فمن أين لنا أن نرسم الحياة كما نريد؟

(1) - أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الفتن والملاحم حديث (8326) .

ص: 89

قلنا: هذا حق، وفي حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يعلمنا الثبات والعزيمة على استشرف المستقبل وصناعة الأمل، بعزيمة وإرادة، فقد وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين كافة بالاستخلاف والتمكين والنصر،

قال جل شأنه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1)، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (2)، وقال جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (3) .

وحينما أخذ المؤمنون بعزيمة أمور دينهم تحقق لهم الوعد وحصل لهم النصر والتمكين والعز بعد الذل والوحدة بعد الافتراق والغنى بعد الفقر، فمن منا عمل على اعزاز هذا الدين ولم يحصل له التمكين؟ ومن الذي اقتدى بالنبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم في سلوكه وأخلاقه ولم يظفر بمراده؟

فأنت أخي بحاجة إلى زاد من التقوى والأخلاق، أنت بحاجة إلى القدوة الحسنة والإتباع لنبيك صلى الله عليه وآله وسلم، أنت بحاجة إلى مواصلة العمل، بحاجة إلى العفو والتسامح حتى تكون قدوة في العفو والتسامح وتقديم الخير والإحسان إلى الناس، أنت بحاجة إلى الأخذ بسنن الله في هذا الكون الرحيب، فما أحوج الإنسان الذي يبحث عن الإحترام والنجاح والتقدير والسعادة والسيادة على الأرض إلى عون الله تعالى وتوفيقه.

ولله در الشاعر حيث يقول:

إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى

فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ (4)

فإذا علمت وعملت عرفت أن الإنسان يجب عليه أن يرتب أولوياته ويسعى لتحقيق غاياته وأن يكون محسناً مع أهله وإخوانه، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خير الناس في تعامله وسلوكه مع أهله وإخوانه وجيرانه ومجتمعه وأمته، وكان أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقم البيت ويعقل البعير ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق. (5) لم يكن مستبداً ولا غافلاً ولا فضاً غليظاً، وصدق الله حيث يقولل:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (6) ، وهو مع ذلك كله كان رؤوفاً رحيماً، لقد جاء في الحديث النبوي: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ

(1) - سورة النور الآية (55) .

(2)

- سورة الأنبياء الآية (105) .

(3)

- سورة محمد الآية (7) .

(4)

- هذا البيت للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

(5)

- السيرة النبوية للندوي ص405.

(6)

- سورة آل عمران الآية (159) .

ص: 90

الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا، فَقَالَ: نَعَمْ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) (1)، وفي الذكر الحكيم:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (2) .

فانظر أخي أين نحن من هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتأسي والاقتداء به؟ فكثير من الناس يرى غيره من بني الإنسان يتضور جوعاً أو يعتصر ألماً لمرض أو فقر أو جائحة نزلت به فهو يبحث عن وظيفة وعمل ويبحث عن من يساعده ويسعى لإنقاذه أو التعاون معه فلا يجد من ذلك الأخ نصرةً ولا عوناً، حتى وإن كان من جيرانه، فأين الأخوة الإيمانية والأخوة الإنسانية؟ فهل يستطيع عاقل أن يرى أخاً له من أمه وأبيه يتضور جوعاً ثم لا يعمل على مساعدته وإنقاذه وهو على ذلك قدير بل ربما كان متخماً ومنعماً يملك الثروة والسلطة فهو يملك الأموال الواسعة التي قد ينفقها ويصرفها في غير محلها وعلى غير مستحقها وربما بددها في أمور يسأله الله عنها، فكيف بك أخي إذا سعيت إلى تفريق إخوانك وتقطيع أرحامك مع أنك تقرأ في القرآن:

(1) - أخرجه البخاري في صحيحه باب رحمة الناس والبهائم حديث (5550) .

(2)

- سورة التوبة الآية (128) .

ص: 91

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (1)، ولا تتدبر ما ورد في الفرقان:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (2) .

فإن كنت تريد السعادة في الدنيا والآخرة وتريد أن تنال الحسنى وزيادة فتأسى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد مثلت حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعمالاً كثيرة متنوعة بحيث تكون فيها الإسوة الصالحة والمنهج الأعلى للحياة الإنسانية، لأنها جمعت بين الأخلاق العالية والعادات الحسنة والعواطف النبيلة والنوازع العظيمة، فإذا أردت السعادة والإحترام فتأسى به، فإن كنت غنياً مثرياً فاقتدِ بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان تاجراً يسير بسلعته بين الحجاز والشام، وحين ملك خزائن البحرين، وإن كنت فقيراً معدماً فلتكن أسوتك به وهو محصور في شعب أبي طالب، وحين قدم إلى المدينة مهاجراً وهو لا يحمل من حطام الدنيا شيئاً، وإن كنت ملكاً فاقتدِ بسنته وأعماله حين ملك أمر العرب وغلب على آفاقهم، ودان لطاعته عظماؤهم وذووا أحلامهم، لتكون عزيزاً محترماً، وإن كنت رعية ضعيفاً فلك برسول الله أسوة حسنة حينما كان محكوماً بمكة في نظام المشركين، وإن كنت فاتحاً غالباً فلك من حياته نصيب أيام ظفره بعدوه في بدر وحنين ومكة، وإن كنت منهزماً -لا قدر الله- فاعتبر به في يوم أحد وهو بين أصحابه القتلى ورفقائه المثخنين بالجراح، فلا تهن

(1) - سورة الحجرات الآية (10) .

(2)

- سورة محمد الآية (22) .

ص: 93

ولا تحزن، وإن كنت مُعلّماً فانظر إليه وهو يعلم أصحابه في صحن المسجد متواضعاً، وإن كنت واعظاً ناصحاً ومرشداً أميناً فاستمع إليه وهو يعظ الناس على أعواد المسجد النبوي، وإن أردت أن تقيم الحق وتصطع بالمعروف وأنت لا ناصر لك ولا معين فانظر إليه وهو ضعيف بمكة لا ناصر ينصره ولا معين يعينه إلا الله، ومع ذلك فهو يدعو إلى الحق ويعلن به، وإن هزمت عدوك وخضدت شوكته وقهرت عناده فظهر الحق على يديك وزهق الباطل واستتب لك الأمر فانظر إليه يوم فتح مكة وفتحها، وإن أردت أن تصلح أمور زراعتك وتقوم على ضياعك فانظر إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقد ملك ضياع بني النظير وخيبر وفدك كيف دبر أمورها وأصلح شئونها وفوضها إلى من أحسن القيام عليها. (1)

وانظر بعينيك إلى الأفراد والأمم التي تتفق وتتآخى وتتعاون؛ كيف علت كلمتها وعظمت هيبتها، وتدبر القرآن الذي جاء فيه:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2) ، وانظر بعينيك الأفراد والأمم الذين يختلفون ويتنافرون ويتنابزون ويتقاطعون ويستعلي بعضهم على بعض؛ كيف صار حالهم، وكيف تبدل عزهم إلى ذل، وغناهم إلى فقر، وجمعهم إلى شتات، وصدق الله حيث يقول:{وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (3) .

فهل آنَ لنا أن نسعى إلى إعمار الحياة بالحب والعمل، حب الفضيلة، لأنها تنعكس سروراً وطمئنينة، فحب الناس، حب الخير للجميع، حب التعاون على البر والتقوى، حب التضحية والفداء والإيثار، حب الإخاء، ففي الحديث النبوي:(لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)(4) .

أخي المحزون يا من مللت الحياة وسئمت العيش إن هناك فتحاً قريباً إن الله مقلب القلوب، ثق بالله، وانظر إلى الحياة بجمالها وجلالها، واعلم بأن وعد الله آتٍ قريب، أليس الصبح بقريب، وتدبر قول الحق تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (5)، وقوله جل شأنه:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (6) ، فلا يهولنك تبجح غير المؤمنين بثروتهم أو بسلطانهم الذي اتاهم الله وما خولهم به من النعم فإن العزة والكرامة للمؤمنين من بني آدم فقوة الإيمان أسٌ للنجاح والظفر، وبالإيمان والعمل الصالح تنال الدرجات

(1) - انظر في ذلك السيرة النبوية للندوي ص454و455.

(2)

- سورة آل عمران الآية (103) .

(3)

- سورة الأنفال الآية (46) .

(4)

- أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الإيمان باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه حديث (12) .

(5)

- سورة الأنفال الآية (24) .

(6)

- سورة الحج الآية (40) .

ص: 94