الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانة الصدق رفيعة
أجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث فيها النجاة: الإسلام الخالص عن البدعة والهوى، والصدق لله تعالى في الأعمال، وطيب المطعم.
وقال محمد سعيد المروزي: إذا طلبت الله بالصدق آتاك الله مرآة بيدك حتى تبصر كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة. (1)
وللصادقين مكانة رفيعة يرضونها في الجنة تخصهم قال تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (2)، وروى عبيد الله بن محمد التميمي عن أبيه قال:(كان عمر بن الخطاب بمنى فعطش، فانتهى إلى عجوز، فاستسقاها ماءاً، فقالت: ما عندنا، فقال: لبناً، فقالت: ما عندنا، فبدرت جارية، فقالت لها: تكذبين وما تستحيين؟ ثم قالت لعمر: هذا السقاء فيه لبن، فسأل عمر عن الجارية فإذا أبوها ثقفي فخطبها على عاصم بن عمر، فزوجها منه، فولد له منها أم عاصم، فتزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له عمر بن عبد العزيز بن مروان رحمة الله عليه)(3) ، والمرء مسئول عن إيمانه وصدقه وعن وفائه بعهده، وفي الذكر الحكيم:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} (4) .
الصادق في أسماء الله وصفاته
نطق به القرآن اسماً وفعلاً قال تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} (5)، وقال:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} (6)، وقال:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً} (7) ،
وقال: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} (8) . والصادق في وصفه سبحانه صفة ذاتيه له راجعة إلى معنى كلامه، إذ الصدق هو ما تضمنه كلامه وهو المتكلم به، قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ} (9) ، فالله تعالى صادق في قوله، صادق في حديثه، صادق في وعده، خاطب عباده فأخبرهم بما يرضيه عنهم ويسخطه عليهم، وبما لهم من الثواب عنده إذا أرضوه، ومن العقاب لديه إذا أسخطوه، فصدقهم ولم يغررهم ولم يلبس عليهم، قاله الحليمي. (10)
وقال بعض العلماء: أنه لم يرد في القرآن، وقد أنكر عليهم بعض الباحثين وقال: عجباً لهؤلاء الأئمة مع تبحرهم في كتاب الله تعالى والبحث في معانيه وتفسيره وتلاوته ليلاً ونهاراً كيف غفلوا عن هذا الاسم العظيم، حتى يقولوا: إنه لم يرد في القرآن وإنما ورد فعله؟! فكأنهم رحمهم الله
(1) - الترغيب والترهيب للمنذري تحقيق مصطفى محمد عمارة المجلد الثالث ص601.
(2)
- سورة القمر (55) .
(3)
- روضة العقلاء ص (45-46) .
(4)
- سورة الأحزاب (7-8) .
(5)
- سورة الأنعام (146) .
(6)
- سورة النساء (122) .
(7)
- سورة النساء (87) .
(8)
- سورة الزمر (74) .
(9)
- سورة آل عمران (152) .
(10)
- الجامع لأسماء الله الحسنى ص181.
لم يقرءوا سورة الأنعام لكن الذهول والنسيان يعتري الإنسان، والكمال إنما هو لذي الجلال. (1) ويجوز إجراء هذا الوصف منكراً على العبد من غير خلاف، وفي الذكر الحكيم:{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (2) ، {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} (3) .
يقال: صدق الرجل فهو صادق وصدوق للمبالغة.
وأما قوله تعالى: {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (4) ، فالألف واللام إنما جاءت للتعريف والتفخيم لكثرة تصديقهم، وسمي أبو بكر رضوان الله عليه بالصديق لتصديقه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما جاء به عن ربه، والصِّدِّيق -بوزن فِعِّيل للمبالغة- سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فيما رواه علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، والصِّدِّيق هو الدائم الصدق الذي كثر صدقه في قوله وعمله وصدق الله في آياته وشواهده ودلائله وأسمائه وصفاته وأفعاله وحكمه وكلماته.
ثمرة معرفة هذا الاسم الجليل
إذا عرف المكلف أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه صادق في أقواله وأفعاله وجب عليه أن يؤمن بأنه لا أحد أصدق من الله، وأن أقواله الحق وأفعاله وحديثه ووعده ووعيده كلها صدق، ثم يجب عليه أن يتحلى بالصدق في جميع أقواله وأفعاله، لأن الصدق درجة رفيعة وحلة سنية جليلة، وهو
(1) الجامع لأسماء الله الحسنى ص180.
(2)
- سورة الأحزاب (23) .
(3)
- سورة مريم (54) .
(4)
- سورة التوبة (119) .
أصل لكل حال، وأسٌ لكل فضيلة، وامتثالاً لقول الحق:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (1)، وامتثالاً لقول الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بالصدق
…
الحديث) ، ولأن كل من صدق وتحقق من صدقه فقد نجا، فعليك أخي بدوام الصدق تكتب صديقاً، وتكون من الصادقين الذين بذلوا المجهود من أنفسهم لربهم فيما بينهم وبينه فاستحقوا مدحه والثناء عليه بما جاء في كتابه:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (2)، وفي الحديث النبوي:(الصدق طمأنينة والكذب ريبة)(3) .
وروي عن الفضيل بن عياض أنه قال: (ما من مضغة أحب إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب)، وفي الحديث النبوي:(فإن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله فادوا إذا أؤتمنتم واصدقوا إذا حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم)(4)، وفي رواية:(أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة)(5) .
(1) - سورة التوبة (119) .
(2)
- سورة الأحزاب (23) .
(3)
- أخرجه الترمذي في سننه باب صفة القيامة حديث (2518) .
(4)
- الآحاد والمثاني للإمام محمد بن عمرو بن الضحاك أبو بكر الشيباني المتوفى سنة (287هـ) ج3ص81 حديث (1397) ، الناشر دار راية الرياض الطبعة الأولى 1411هـ1991م.
(5)
- أخرجه احمد في المسند عن عبد الله بن عمرو حديث (6652) .