الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خصوصية الوطن الأول
طالما حن الإنسان إلى منزله الأول ومسقط رأسه حيث ما حل وارتحل، وفي الأمثال الشعبية:"مسقط الرأس غالي". قال الشاعر:
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى
…
وَحَنينُهُ أَبَداً لأَوَّلِ مَنزِلِ
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى
…
ما الحُبُّ إِلا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
وللوطن على أهله حقوق يجب أن تراعى قال الشاعر:
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
…
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ (1)
في الانتقال عن الأوطان
إن الانتقال عن الوطن لطلب العلم والمعرفة والتجارة وصلة الرحم للقيام بواجب أو أداء فريضة أو زيارة أخ أو بحث عن عمل مشروع أو غير ذلك من الأمور المشروعة التي تتوق إليها النفس ويسمو بها الإنسان ويرضى بها الرحمن محبب غير مذموم، بل أن بعض الشعراء قد رأى أن في التنقل عن الأوطان عز وذخر، فهذا الطغرائي يقول:
(1) - ديوان شوقي.
إن العُلَى حدَّثتِني وهي صادقةٌ
…
في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُقَلِ
لو أنَّ في شرفِ المأوى بلوغَ مُنَىً
…
لم تبرحِ الشمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ (1)
أما الإمام الشافعي رضي الله عنه فإنه يحث على التغرب عن الأوطان في طلب العلا ويبين مناقب السفر وفوائده حيث يقول:
تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا
…
وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ
…
وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ (2)
وله أيضاً:
ما في المَقامِ لِذي عَقلٍ وَذي أَدَبِ
…
مِن راحَةٍ فَدَعِ الأَوطانَ وَاِغتَرِبِ
سافِر تَجِد عِوَضاً عَمَّن تُفارِقُهُ
…
وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ في النَصَبِ
إِنّي رَأَيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ
…
إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ
وَالشَمسُ لَو وَقَفَت في الفُلكِ دائِمَةً
…
لَمَلَّها الناسُ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبِ (3)
غير أن بعض الشعراء يرى أن هناك أموراً لم يرها الإمام الشافعي فيقول:
إذا قيل: في الأسفار خمس فوائد
…
أقول: وخمس لا تقاس بها البلوى
فتضييع أموال وحمل مشقة
…
وهَم وأنكال وفرقة من أهوى (4)
والظاهر أن مخاطر الأسفار في هذه الأزمنة قد تلاشت وتبددت وأصبح الإنسان يذهب ويجيء براحة ويسر وأمان، وفي ذلك عظة واعتبار، وتفضل
(1) - انظر ديوان الطغرائي بشرح التبريزي ج1ص216، الطبعة الأولى.
(2)
- انظر: ديوان الإمام الشافعي، ووردت أيضاً منسوبة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3)
- ديوان الإمام الشافعي ص24.
(4)
- انظر: ديوان زهير ص88، وشرح المعلقات السبع للزوزني ص76، والموسوعة الشعرية ص303.
ونعمة من الرحيم الرحمن، وفي الذكر الحكيم:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (1) .
(1) - سورة الحج الآية (46) .