الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس والعشرون
العدل
العدل
العدل: في اللغة: الاعتدال والاستقامة والميل الى الحق، واصطلاحا: الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينا. اما في اصطلاح الفقهاء: العدالة استواء احوال الانسان في دينه واعتدال اقواله وافعاله. وفي الذكر الحكيم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (1) وفي سورة الشورى يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَاأَنزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (2) والعدل من المثل العلياء وهو صفة جميلة، وخلة حميدة، وهو اسم من أسماء الحق تبرك وتعالى تقدست بالجلال والكمال اسماؤه، والعدل صفة من صفات العلي المتعالي تنزهت عن التأويل والتبديل صفاته، والعدل اسم لشريعة الله وحكمه، قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَاّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (3)، وبالعدل أمر الله قال تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (4) ، والعدل واحد من أغلى وأسمى مقومات الحياة، والعدل مبدء أساسي دبر به رب الكون نظامه، وأسس عليه وجوده ودورانه،
(1) - سورة النساء اية (58) .
(2)
- سورة الشورى (15)
(3)
- سورة الأنعام (115) .
(4)
- سورة النحل (90) .
والعدل رسالة رب الأرض والسماء، وتحقيقه واحد من مهمة الرسل والأنبياء، والعدل وطيدة الحكم الصالح ودعامته المتينة، والعدل له معنى جليل تطمئن إليه النفوس، وترتاح إليه الأفئدة، وبه تصان القيم، وتستقر المبادئ، ويتضاعف شعور المواطن بالانتماء إلى وطنه، وبالعدل يعلو بناء الإنسان، وبه يصان دمه وماله وعرضه، وقديماً قيل: بالعدل ثبات الأشياء، وبالجور زوالها، ونسب للاسكندر انه قال لجماعة من الهند: لم صارت شُرَط بلادكم قليلة؟ قالوا: لاعطائنا الحق من أنفسنا، ولعدل ملوكنا وحسن سيرتهم فينا. فقال لهم: أيهما أفضل العدل أم الشجاعة؟ قالوا: إذا ستعمل العدل، استغنى عن الشجاعة، وقيل: العدل ميزان البارئ، ولذلك كان مبرأً من كل زيغ وميل، وقيل لأنوشروان: أي الجنن أقوى؟ قال: الدين، قيل: فأي العدد أقوى، قال: العدل، وقيل لأردشير: من الذي لا يخاف احداً؟ قال: الذي لا يخافه احد. فمن عدل في حكمه، وكف عن ظلمه نصره الحق، وأطاعه الخلق، وصفت له النعمى، وأقبلت عليه الدنيا، فتهنأ بالعيش، واستغنى عن الجيش. وملك القلوب، وأمن الحروب. وصارت طاعته فرضاً، وظلت رعيته جنداً. وأن أول العدل أن يبدأ المرء بنفسه، فيلزمها كل خلة زكية، وخصلة رضية. ومذهب سديد، ومكسب حميد، لتسلم عاجلاً، وتسعد آجلاً. وأول الجور أن يعمد إليها، فيجنبها الخير، ويعودها الشر، ويكسبها الآثام، ويعقبها المذام، فيعظم وزرها، ويقبح ذكرها (1) . قال الشاعر:
عليكَ بالعَدلِ إنْ وُلِّيتَ مملكَةً
…
واحذَر مِنَ الجَورِ فيها غايَةَ الحَذَرِ
(1) - الفرائد والقلائد ص (4-6) .