الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليثق بالله تعالى، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه، ومن أحب بقاء جميع ذلك فليشكر الله تعالى دائماً. (1)
وقد جاء في محكم الذكر الحكيم: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (2) .
شكر الخالق واجب
إن من أنفع القربات، وأهم الواجبات؛ شكر الخالق على نعمه، فإن من غفل عن ذلك، وتجاهل نعم الله عليه فإنه يكون مقترفاً لأشد أنواع الجحود، فشكر النعمة مما تألفه النفوس، فالناس ينكرون على الشخص الذي لا يسدي الشكر لمن أحسن إليه، ويسمونه بالجحود والكفران، فكيف بالله الذي أسدى من النعم ما لا تحصى، وخَلقُ الإنسان أفضل النعم، وفي محكم التنزيل:{وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (3)، وفي سورة يس يذكرنا بالنعم العزيز الحكيم حيث يقول:{وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ* وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ* لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} (4) .
وفي نعمة إجراء الأنهار، وتسخير البحار، والاستمتاع بالنعم الغزار؛ من الفضل ما لا يحصيه إلا العزيز الغفار، وفي سورة الجاثية:{اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (5) آية واضحة تدل على عظم نعمة التسخير.
وفي اختلاف الليل والنهار من النعم الكبيرة، والخيرات الوفيرة؛ ما يدعو إلى الشكر والثناء على القوي القدير، وفي سورة القصص آيات واعتبار، تدل على نعم العزيز الجبار، قال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6) .
فأحسن كل حسن نعمة مشكورة، وحق الله في العسر الرضى والصبر، وفي اليسر البر والشكر، وقال بعض الصالحين: إني لأصاب بالمصيبة فأشكر الله عليها أربع مرارٍ: شكراً إذ لم تكن أعظم مما هي، وشكراً إذ رزقني الصبر عليها، وشكراً لما أرجوه من زوالها، وشكراً إذ لم تكن في ديني، وقال أبو الفرج الببغاء (7) :
(1) - أنس المسجون وراحة المحزون تأليف صفي الدين أبي الفتح عيسى بن البحتري الحلبي، تحقيق محمد أديب الجاور، ص35. الناشر: دار صادر بيروت الطبعة الأولى 1997م.
(2)
- سورة الزمر الآية (66) .
(3)
- سورة النحل الآية (78) .
(4)
- سورة يس الآيات (33-35) .
(5)
- الآية (12) .
(6)
- سورة القصص الآيات (71-73) .
(7)
- لقب بالببغاء لفصاحته وقيل: بل للتغة في لسانه، انظر: يتيمة الدهر للثعالبي ج1ص200، ووفية الأعيان لابن خلكان ج3ص199.
صَبَرتُ وَلَم أُحمَد عَلى الصَبرِشيمَتي
…
لأَنَّ مَآلي لَو جَزَعتُ إِلى الصَبرِ
وَلِلَّهِ في أَثناءِ كُلِّ مُلِمَّة
…
وَإِن آلَمَت لُطفٌ يَحُضُّ عَلى الشُكرِ
والشكر وإن قل فهو ثمن لكل نوال وإن جل، وقيل: ثلاث يبلغ بها الإنسان ما يحب: حسن الظن بالله تعالى، والمكافئة على القبيح بالجميل، وشكر الله على الشدة.
وقد نسب إلى الحسن البصري أنه قال: "الخير الذي لا شر فيه: الصبر مع النازلة، والشكر مع النعمة"، قال الإمام علي رضي الله عنه:
لَئِن ساءَني دَهرٌ لَقَد سَرَّني دَهرُ
…
وَإِن مَسَّني عُسرٌ فَقَد مَسَّني يُسرُ
لِكُلٍّ مِنَ الأَيّامِ عِندي عادَةٌ
…
فَإِن ساءَني صَبرٌ وَإِن سَرَّني شُكرُ
وقيل: "من تلقى أوائل النعم بالشكر ثم أمضاها في سبل البر فقد حرسها من الزوال وحصنها من الانتقال". قال الشاعر:
يدُ المعروف غُنمٌ حيثُ كانت
…
تحمّلَها شكورٌ أو كفورُ
ففي شكرِ الشكور لها جزاءٌ
…
وعندَ اللَهِ ما كفرَ الكفورُ
ومما ينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت".