الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقتضى الإيمان إيثار حُب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على حُب ما ذكر وكذلك الجهاد في سبيله، وفي الحديث الذي رواه الشيخان في صحيحيهما والترمذي والنسائي من حديث أنس مرفوعاً:(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحب المرء لا يُحِبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)(1)، وروى البخاري ومسلم من حديث أنس أيضاً:(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)(2) .
فمحبة الأوطان من أمور الفطرة التي تتوق إليها نفوس الكرام، فكم شهدنا من صغار الناس وكبارهم شريفهم ووضيعهم ينعتون أوطانهم، ويحنون إليها، ويبكون على أطلالها، ويرحم الله شوقي حيث يقول:
وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ
…
نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي
وَهَفا بِالفُؤادِ في سَلسَبيلٍ
…
ظَمَأٌ لِلسَوادِ مِن عَينِ شَمسِ
شَهِدَ اللَهُ لَم يَغِب عَن جُفوني
…
شَخصُهُ ساعَةً وَلَم يَخلُ حِسّي
ولشدة حب الأوطان التي جُبِلَ عليه بنو الإنسان حكى الله عن قومٍ لم يذعنوا لله ويمتثلوا أمره {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَاّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} (3)،عبر عن الوطن بالديار كما هو الاستخدام الشائع في القرآن ومن ذلك قوله تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (4)،وقوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (5) وقد يعبر عن الوطن بالدار وإلى ذلك يشير قول الحق تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (6)،فكل أرض يلقا الأنسان فيها رغائبه فهي محببة إليه قال الشاعر:
خير المواطن ما للنفس فيه هوى
…
سم الخياط مع الاحباب ميدان
كل الديار إذا فكرت واحدة
…
مع الحبيب وكل الناس أخوان (7)
دعائم المواطنه
المواطنة مستمده من الوطن وهو الأقليم من الأرض الذي أتخذته مجموعة من الناس موضع للإقامة والسكن والعيش المشترك في ظل الإنتماء والولاء لهذا الإقليم، وأحقيت كل فرد في التمتع بالحقوق والحريات الإنسانية في
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه باب حلاوة الإيمان حديث (16) ، ومسلم في صحيحه باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان حديث (43) ، والترمذي في سننه حديث (2624) ، والنسائي في سننه باب طعم الإيمان حديث (4987) .
(2)
- أخرجه البخاري في صحيحه باب حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الإيمان حديث (15) ، ومسلم في صحيحه باب وجوب محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث (44) .
(3)
- سورة النساء الآية (66) .
(4)
- سورة الحشر الآية (8) .
(5)
- سورة الممتحنة الآية (8) .
(6)
- سورة الحشر الآية (9) .
(7)
- ورد هذان البيتان في معجم كنوز الأمثال منسوبه إلى إبراهيم الغزي.
مقابل القيام بالواجبات المستحقة عليه للعيش في هذا الوطن ويمكن أن يأخذ المرء من الصحيفة المدنية التي تعد وثيقة دستورية أهم الدعائم التي تقوم عليها المواطنة في ظل نظام إسلامي إنساني فقد جاء في هذه الوثيقة ما يفيد أن الدعائم الأساسية للمواطنة حق التمتع بالجنسية والمساواة وحصول التكافل والتضامن بين ابناء الوطن الواحد والحماية والنصرة والتناصح في الشؤن المدنية والدفاعية والإلتزام على الوطن ورعايته وتحريم موالات الأعدا وتقرير الكرامة الإنسانية والاعتراف بحق الخصوصية 000الخ، وتضمنت صحيفة المدينة:
1.
هذا كتاب محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم أنهم أمه واحدة من دون الناس (1)،وفي هذا بيان لكيان الدولة الناشئة على وطن واحد تم دمج أفراده ومجتمعة في كيان واحد يتمتعون بجنسية الدولة الناشئة فهم أمة واحدة وفي الأمثال السائرة لولا الوئام لهلك الأنام أي لولا موافقة الناس بعضهم لبعض لهلكوا قال الميداني:ويروى لولا اللئام لهلك الأنام من قولهم لائمت بينهما أي اصلحت من اللأم وهو الاصلاح ويروى اللَّوامْ بمعنى الملاومة (2) قال الشاعر:
(1) - السير النبوية لأبي الحسن الندوي ص488.
(2)
- مجمع الأمثال للميداني ص330،معجم كنوز الأمثال ص312.
لولا التعاون بين الناس ماشرفت
…
نفس ولا أزدهرة أرض بعمران (1)
وقال حافظ إبراهيم:
لا تَعجَبَنَّ لِمُلكٍ عَزَّ جانِبُهُ
…
لَولا التَعاوُنُ لَم تَنظُر لَهُ أَثَرا
2.
التكافل والتضامن بين أفراد وجماعات الوطن تمثل دعامة هامة ولهذا فقد جاء في صحيفة المدينة أن المؤمنين لا يتركون مفرحا أن يعطوه في فداء أو عقل (2)(الدية) ،ومفرحا بضم الميم وفتح الراء هو المثقل بالدين،ومما لا ريب فيه أن المجتمع الذي يشيد بنيانه على التكافل والتضامن بين أفراده يكون مترابطا قويا ويرحم الله شوقي حيث يقول:
إِنَّ التَعاوُنَ قُوَّةٌ عُلوِيَّةٌ
…
تَبني الرِجالَ وَتُبدِعُ الأَشياءَ
وقال أخر:
إذا العِبْءُ الثقيلُ توزَّعَتْه
…
رقابُ القومِ خفَّ على الرِّقابِ
3.
الحمايه والنصرة بين أفراد المجتمع أساس للحفاظ على الإنسان والوطن وقد أرست الوثيقة الولاء بين أفراد المجتمع في الوطن الواحد في ظل الهوية الإسلامية ونصرة بعضهم البعض فنص فيها (لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثما أو عدوانا أو
4.
(1) - نسب هذا البيت في معجم كنوز المعرفة لمعروف الرصافي ولم نجده في نسخة الديوان التي لدينا.
(2)
- السير لندوي ص 489.
5.
فسادا بين المؤمنين وأن ايديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وان المؤمنين موالى بعضهم دون الناس) ،فاين المسلمون من هذه المبادء التي جاء بها الإسلام حتى يكونوا كالجسد الواحد
كُلَما أَنَّ بِالعِراقِ جَريحٌ
…
لَمَسَ الشَرقُ جَنبَهُ في عُمانِه (1)
أما المساواة القائمة على العدل فإن صحيفة المدينة كفلت ذلك لنظام مجتمع الدولة الناشئة فهو آية العدل والإنصاف وقد تضمنت صحيفة المدينة (فأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم،وأن سلم المؤمنين واحده لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله الا على سواء وعدل بينهم،وأن المؤمنين يبيئ بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله،وأنه من أعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به الا أن يرضى ولي المؤمنين {بالعقل} ولا يحل لهم الا قيام عليه) ،وهذه المبادئ تترجم تكافل الكل وتساويهم في الحقوق والواجبات وما أختلفوا فيه من شيئ فمرده الله ورسوله وقد ذهبت الصحيفة المدنية لتعدد القبائل واليهود الذين تحالفوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانضواء الكل في وطن واحد تحت لواء واحد فلا تحول الأختلافات الطبيعية أوالمكتسبة أو الفروق البشرية دون تماسك هذا المجتمع واتحاده،ويرحم الله ابا فراس
(1) - هذا البيت لأمير الشعراء أحمدشوفي.
وَإِنّي وَإِيّاهُ لَعَينٌ وَأُختُها
…
وَإِنّي وَإِيّاهُ لَكَفٌّ وَمِعصَمُ
الحمداني حيث يقول:
وقال أخر:
تَداعَوا لِلسَلامِ وَأَمرِ نُجحٍ وَمَدّوا بَينَهُم بِحِبالِ مَجدٍ
…
أ َلَم تَرَ أَنَّ جَمعَ القَومِ يُخشى وَأَنَّ القِدحَ حينَ يَكونُ فَرداً وَأَنَّكَ إِن قَبَضتَ بِها جَميعاً
…
وَخَيرُ الأَمرِ ما فيهِ النَجاحُ
…
وَثَديٍ لا أَجَدُّ وَلا ضَياحُ
…
وَأَنَّ حَريمَ واحِدِهِم مُباحُ فَيُهصَرُلا يَكونَ لَهُ اِقتِداحُ
…
أَبَت ما سُمتَ واحِدَها القِداحُ (1)
6.
أحترام حق الخصوصية الدينية أساس ذلك أنه لا اكراه في الدين ووجوب أحترام مشاعر المؤمنين فوثيقة المدينة تعتبر الوطن معلما للعلاقة القائمة على العدالة والاعتراف بحق الأمن والامان على نفس المواطن وعرضه وارضة ودينه يظهر ذلك ما جاء في الصحيفة (أن يهود بني عوف أمة مع المؤمين،لليهود دينهم وللمسلمين دينهم،مواليهم وانفسهم الا من ظلم وأثم،فإنه لا يوتغ (يهلك) الا نفسه وأهل بيته.
(1) - هذه الأبيات لناهض بن ثومة الكلابي.