الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنسانية أصلها واحد
الأمر الذي لا مرية فيه أن أصل بني الإنسان واحد، وأن الإنسانية كلها وحدة واحدة، وإن تباينت مظاهرها في ألوانها وأجسادها وأشكالها، واختلفت ألسنتها وآراؤها ومذاهبها ومواطنها؛ فتلك نتيجة طبيعية لاختلاف البيئات، أو هي اعتبارات ومصطلحات لاتفاقات تعرض لجوهر الإنسان عند تكوينه واستكمال خلقه، وآية دالة على إحكام الله لخلقه، وفي الذكر الحكيم:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (1) ، فالآية دالة على عظيم صنع الله وتصويره وتقديره وكبير إحسانه وإكرامه للإنسان بما ليس له مثيل، فتدبر قول الحق تبارك وتعالى مخاطباً ملائكته:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} (2) ، فالإنسان العاقل يجب ألا يقابل هذا التكريم بالجحود؛ فيتعالى على غيره من بني الإنسان، فلا يجوز لصاحب وطن من الأوطان أو بلد من البلدان أو إقليم من الأقاليم أن يتعالى على غيره من بني الإنسان، إذ لو جاز ذلك لجاز للابن أن يتنكر لوالده، والأب لابنه، والأخ لأخيه، وأنى له ذلك وقد خلق الله الناس جميعاً من نفس واحدة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
(1) - سورة الروم الآية (22) .
(2)
- سورة الحجر الآية (29) .
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (1) ، في هذه الآية خاطب الله جل وعلا الناس كافة بقوله يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي أنشأكم ورباكم بنعمه فاتقوه في أنفسكم، ولا تتعدوا حدوده فيما شرعه من الحقوق والآداب، مما فيه صلاح شأنكم، فإنه خلقكم من نفس واحدة، فكنتم جنساً واحداً تقوم مصلحته بتعاون أفراده وإتحادهم وحفظ بعضهم حقوق بعض، فتقوى الله فيها الشكر لربوبيته، وفيها ترقية لوحدتكم الإنسانية، فاتقوا الله في أمره ونهيه في حقوق الرحم التي هي أخص من حقوق الإنسانية، بأن تصلوا الرحم التي أمركم الله بوصلها، واحذروا ما نهاكم عنه من قطعها، لما في تقواه من الخير لكم الذي يذكركم به تساؤلكم فيما بينكم باسمه الكريم وحقه على عباده، وسلطانه الأعلى على قلوبهم وبحقوق الرحم، وفي هذا التساؤل من الاستعطاف والإيلاف ما يكفي للتعاطف والتراحم، فلا تفرطوا في هاتين الرابطتين بينكم رابطة الإيمان بالله وتعظيمه، ورابطة وشيجة الرحم، فإنكم إذا فرَّطتم في ذلك أفسدتم فطرتكم، فتفسد حينئذ البيوت والعشائر والقبائل، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} أي: مشرفاً على أعمالكم حفيظاً مطلعاً على جميع أحوالكم.
وللإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه:
الناسُ مِن جِهَةِ الأبَاءِ اَكفاءُ
…
أَبوهُمُ آدَمُ وَالأُمُ حَوّاءُ
نَفسٌ كَنَفسٍ وَأَرواحٌ مُشاكَلَةٌ
…
وَأَعظُمٍ خُلِقَت فيها وَأَعضاءُ
(1) - سورة النساء الآية (1) .
وَإِنَّما أُمَّهاتُ الناسِ أَوعِيَةٌ.......مُستَودِعاتٌ وَلِلأَحسابِ آباءُ
فَإِن يَكُن لَهُمُ مِن أَصلِهِم شَرَفٌ
…
يُفاخِرونَ بِهِ فَالطينُ وَالماءُ
ما الفَضلُ إِلا لأَهلِ العِلمِ إِنَّهُمُ
…
عَلى الهُدى لِمَنِ اِستَهدى أَدِلاّءُ
وَقَدرُ كُلِّ اِمرِئٍ ما كاَن يُحسِنُهُ
…
وَلِلرِجالِ عَلى الأَفعالِ اسماءُ
وَضِدُّ كُلِّ اِمرِئٍ ما كانَ يَجهَلُهُ
…
وَالجاهِلونَ لأَهلِ العِلمِ أَعداءُ
وقال أخر:
لا تفخرن بأصلك
…
ما الفخر إلا بفعلك
أصل الأنام ترابٌ
…
مما تطأه بنعلك
فاعمل بجد وحزم
…
ترقَ المعالي بسعيك
وجاء في محكم الذكر: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1)، وجاء في السنة النبوية:(يا أَيُّها النَّاسُ، إنَّ ربَّكُمْ وَاحِدٌ وإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضلَ لعَرَبيٍّ على عَجَمِيٍّ، ولا لعَجَمِيٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لأَحْمَرَ على أَسْوَدَ ولا لأَسْوَدَ على أَحْمَرَ إلَاّ بالتَّقْوى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بلّغَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)(2) ، وهذا الحديث يستفاد منه تحقيق مبدء المساواة، وأن عز الإنسان ورفعته إنما هو بإيمانه بالله وخشيته له.
وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
(1) - سورة الحجرات الآية (13) .
(2)
- أخرجه الإمام أحمد في المسند حديث (23486) ، طبعة بيت الأفكار الدولية لبنان 2004م، والحديث صحيح.