الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (1) ، واخبر جل شأنه عن حال من حكم لهم بالرضوان في الدار الاخره بقوله {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (2)
التواضع فريضة، والعُجب رذيلة
التواضع فضيلة، والغرور والعُجب رذيلة، فتواضع يرفعك الله، المتواضع يحترمه الناس ويعظمونه ويجلونه، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)(3)، وفي لفظ:(وَلا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)(4)، وفي رواية للطبراني:(مَنْ تَوَاضَعَ لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ارْتَفَعَ عَلَيْهِ وَضَعَهُ اللَّهُ)(5) ، فالمؤمن المتواضع يحبه الله ويحبه الناس.
قال الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
…
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه
…
إلى طبقات الجو وهو وضيع
فالتواضع يزيد الإنسان قوة ورفعه، وخيراً وسعة، قال الشاعر:
إذا شئت أن تزداد قدراً ورفعةً
…
فلن وتواضع واترك العجب والكبرا
(1) - سورة الفرقان الآية (63) .
(2)
- سورة القصص الآية (83) .
(3)
- أخرجه مسلم في صحيحه باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة والنار حديث (2865) .
(4)
- أخرجه أبو داود في سننه باب في التواضع حديث (4895) .
(5)
- أخرجه الطبراني في الأوسط حديث (7711) .
وجاء في جواهر الأدب:
تواضع إذا ما نلت في الناس رفعةً
…
فإن رفيع القوم من يتواضع (1)
وقال آخر:
تواضع إذا ما كان قدرك عالياً
…
فإن اتضاع المرء من شيم العقلِ
أما يوسف بن أسباط فإنه يرى أنه يكفي لعلو شأن الإنسان ورفعته التماسه للتواضع، وذلك حيث يقول:
وكفى بملتمس التواضع رفعةً
…
وكفى بملتمس العلو سفالى (2)
أما الكريزي فهو يقول:
ولا تمشي فوق الأرض إلا تواضعاً
…
فكم تحتها قوم هم منك أرفعُ
فإن كنت في عزٍ وحرزٍ ومنعةٍ
…
فكم مات من قوم هم منك أمنعُ
أما أحمد بن محمد الواسطي فهو يرى أن التواضع يستر الجاهل، وذلك حيث يقول:
كم جاهل متواضع
…
ستر التواضع جهله (3)
فإذا كان التواضع للناس فضيلة، فإن التواضع لرب الناس فريضة، بها الرفعة والأمان، والخلود في الجنان، قال الشاعر:
تواضع لرب العرش علّك ترفع
…
فما خاب عبد للمهين يخضع
(1) - جواهر الأدب ص713.
(2)
- روضة العقلاء ص95 ، والموسوعة الشعرية ص299 ، والسفال: نقيض العلو، وانظر المعجم الأوسط ص434.
(3)
- معجم الأدباء لياقوت الحموي ج2ص33.
والتواضع خلق حسن، يدفع الله به الشرور والمحن، وتحصل به الألفة والمحبة، وفيه تعوّد النفس على البشاشة والخشوع، وتعويدها على المحامد، وتذليلها على المكارم، قال الشاعر:
إن شئت أن تبني بناءً شامخاً
…
يلزم لذا البنيان أس راسخُ
إن البناء هو الكمال وأسه الصـ
…
ـخري فهو الاتضاع الباذخُ
وقد خاطب الله رسوله وهو على خلق عظيم بقوله وهو العزيز الحكيم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1) .
وأولى الناس بخفض الجناح، والتواضع لهما في الغدو الرواح هما الوالدان والأقربون، قال تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (2) .
وأما العجب والغرور فهما من السلوك المحظور، فالافتخار بالنفس وشعورها بالكمال، والتقصير في تشييد الصالحات، عاهة مهلكة، ألا ترى أن الناس يتمقتون لمن يروق نفسه ويقولون: فلان معجب بنفسه ورأيه، وفي الحديث:(لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب)(3) .
ولابن دريد:
وَآفَةُ العَقلِ الهَوى فَمَن عَلا
…
عَلى هَواهُ عَقلُهُ فَقَد نَجا
كَم مِن أَخٍ مَسخوطَةٍ أَخلاقُهُ
…
أَصفَيتُهُ الوُدَّ لِخُلقٍ مُرتَضى
(1) - سورة الشعراء الآية (215) .
(2)
- سورة الإسراء الآية (24) .
(3)
- أخرجه البيهقي في شعب الإيمان حديث (7006) .
وَعَطِّفِ النَفسَ عَلى سُبلِ الأَسا.... إِن اِستَفَزَّ القَلبَ تَبريحُ الجَوى
وفي الحديث النبوي: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَاّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَاّ رَفَعَهُ اللَّهُ)(1) .
قال أبو حاتم رحمه الله: الواجب على العاقل لزوم التواضع ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره، فالتواضع تواضعان أحدهما محمود، والآخر مذموم، والمحمود ترك التطاول على عباد الله، والازدراء بهم، والتواضع المذموم هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبةً في دنياه، فالعاقل يلزم مفارقة المذموم في الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها. (2)
فأفضل الناس من تواضع عن رفعه، وزهد عن قدره، وأنصف عن قوة، ولا يترك المرء التواضع إلا عن استحكام التكبر، ولا يتكبر على الناس أحد إلا بإعجابه بنفسه، وإعجاب المرء بنفسه أحد حساد عقله، وما رأيت أحداً تكبر على من دونه إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه، وقال أبو حاتم رضي الله عنه: ما استجلبت البغضة بمثل التكبر، ولا اكتسبت المحبة بمثل التواضع. (3)
وقيل: التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد، وثمرة التواضع المحبة، كما أن ثمرة القناعة الراحة، وإن تواضع
(1) - أخرجه مسلم في صحيحه باب استحباب العفو والتواضع حديث (2588) .
(2)
- روضة العقلاء ص50.
(3)
- روضة العقلاء ص52.