الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عداوة العاقل خير من صداقة الأحمق
من الأمور المسلم بها أن العاقل لا يقاتل بدون عدة، ولا يخاصم بغير حجة، ولا يصارع بغير قوة، ولا يتكل على الجاه أو المال ولو كان في تمام الحال، لأن المال يحل ويرتحل والعقل يقيم ولا يبرح.
قال شعبة: إني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقل عقلاً فأمقته. (1)
ولا يكاد الإنسان يرى عاقلاً إلا موقراً للعلماء، ناصحاً للأقران، مواتياً للإخوان، متحرزاً من الأعداء غير حاسد للأصحاب، ولا مخادع لأولي الألباب، لا يتحرش بالأشرار، ولا ينقاد للهوى، ولا يجنح للغضب، ولا يرمح في الولاية، ولا يدل الصاحب على مسالك الغواية، فعداوة العاقل خير من صداقة الأحمق الغافل، ورحم الله دعبل الخزاعي حيث يقول:
عداوة العاقل خير إذا
…
حصلتها من خلة الأحمق
لأن ذا العقل إذا لم يزع
…
عن حلمه استحيى فلم يخرقِ
ولن ترى الأحمق يبقي على
…
دين ولا ود ولا يتقي (2)
العقل مناط التدبر وطريق الهدى والرشاد
بالعقل تعمر القلوب، وتتحقق السعادة، وبه يكون الحظ، وتنتفي الفاقة، فهو مناط التكليف، ومحل تعقل آيات الله الخبير اللطيف وتدبر أحكامه قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
(1) - روضة العقلاء ص25.
(2)
- ديوان دعبل الخزاعي ص141.
بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (1)، وقال جل شأنه:{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (2) ، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على عظيم شرف العقل، الذي يقرب الإنسان من الخير ويحجزه عن الشر قال الشاعر:
لا ترى العاقل إلا خائفاً
…
حذراً من يومه دون غده
وفي الأمثال السائرة: "العقل أحسن معقل، وشهادة العقول أصح من شهادة العدول، والعقل أحصن معقل، والعقل وزير الناصح".
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل: أن يكون بما أحيا عقله من الحِكمة أكلف منه بما أحيا جسده من القوت، وقوت العقل الحِكم (3) ، وهذا صحيح، فالذي لا يتدبر في العواقب، ولا يتعظ عند وقوع النوائب، ولا يؤدي حق الخالق؛ فقد أضاع حظه، وعرض للهلكة نفسه، أما إذا أعمل الإنسان عقله؛ فإنه لا يضل إذا كان مؤمناً، ولا يغتم إذا كان معدماً، لأن العاقل إذا تدبر أبصر، وإن كان معدما؛ فإنه يرجى له الغنى، ولا يوثق للمغرور ولا للجاهل المكثر بقاء ماله أو عزه، فإنه يعرض ذلك كله للذهاب والفساد.
(1) - سورة البقرة الآية (164) .
(2)
- سورة النحل الآية (12) .
(3)
- روضة العقلاء ص19.
وجاء في الأمثال السائرة: "ليس للأمور بصاحب من لم ينظر في العواقب"، وقيل:"العاقل من يرى مقر سهمه من رميته يضرب في النظر في العواقب"، وقيل:"النظر في العواقب تلقيح للعقول". (1)
فالعاقل من ينظر بعقله، ويتدبر في أمره، ولا يفتتن بنظره، قال الشاعر:
لا تغْتَررْ بعيونٍ ينظرونَ بها
…
فإنما هيَ أحداقٌ وأجفانٌ
كمْ مُقْلَةٍ ذهبتْ في الغيِّ مذهبها
…
بنظرةٍ هي شانٌ أو لها شان
فانظرْ بعقلكَ إن العينَ كاذبةٌ
…
واسمعْ بِحسّكَ إن السمعَ خوَّان
ولا تقُلْ: كل ذي عينٍ له نَظرٌ
…
إن الرعاةَ تَرَى ما لا يرى الضان (2)
ويرحم الله القائل:
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ
…
وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا (3)
أما أبو الطيب المتنبي فهو يرى: أن الإنسان العاقل يعاني ويتعب فيقول:
ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِه
…
وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
ولكننا نرى المتنبي يهجو من يصف العجز بأنه عقل فيقول:
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ
…
وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ (4)
أما ابن الوردي فهو يقول في قبح تضييع العقل والاستسلام للرغبة والشهوة:
(1) - مجمع الأمثال لأبي الفضل احمد بن محمد بن احمد بن ابراهيم النيسابوري الميداني، حققه وفصله وضبط غرائبه وعلق حواشيه محمد محيي الدين عبد الحميد ج2 ص200 وص273 ، مطبعة السنة المحمدية.
(2)
- هذه الأبيات تنسب لأحمد بن عبد الله بن هريرة القبيسي أبو العباس الأعمى التطيلي (485-525هـ/1092-1131م) شاعر أندلسي نشأ في إشبيلية، له (ديوان شعر-ط) .
(3)
- انظر: ديوان احمد شوقي.
(4)
- انظر: ديوان المتنبي.