الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسباب الكبر
إذا كان العجب والغرور من أسباب الكبر فإن العاقل من لا يغتر بجاهه ولا ماله، ولا بحسبه ولا بنسبه، ولا برئاسته ولا بملكه، ولا بقوته ولا بشدة بطشه، ولا بأتباعه ولا بأنصاره، ولا بتلاميذه ولا بغلمانه، ولا بعشيرته ولا بقرابته، ولا بجماله ولا بكماله، ولا بزهده ولا بعبادته، فكيف يغتر العاقل بنعم ليس له في تكوينها يد، وإنما الفضل في ذلك كله لمستحق الكبرياء الواحد الأحد، ومع ذلك فإنه لا يخلو عن رذيلة الكبر، واستمالة قلوب الناس؛ شريف ولا وضيع، إلا من وفقه الله فسلك طريق المتقين، فمن احتقر الناس فهو خبيث الدخلة، رديء النفس، سيء الخلق، ومن تكبر على العباد واستصغرهم وأنف من مساواتهم فقد نازع الله في صفة لا تليق إلا بجلاله، وفي الحديث القدسي:(الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي قصمته)(1) أي أنه خاص بالله لا يليق منازعته فيه، وإذا كان الكبر على عباد الله لا يليق إلا بالله، فمن تكبر على عباده فقد نازع الله في حقه.
ومما تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله في أمره ونهيه؛ لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله، وشمر لجحده، واحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبيس، وذلك داء إبليس الذي تكبر على آدم وقال:
(1) - الحاكم في المستدرك حديث (190) .
{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (1)، ورحم الله أبا مصطفى الحمامي حيث يقول:
قالوا: تكبر قلت: أفـ
…
ـتوني لماذا ذا تكبر
قالوا: قوي قلت: قوّ
…
ته لدى بغل تصغَّر
قالوا: وجيه قلت: فر
…
عون المؤلَّهُ منه أجدر
قالوا: غني قلت: أغـ
…
ـنى منه قارون المدمر
قالوا: جميل قلت: أجـ
…
ـمل منه مومسة وأنضر
قالوا: عليم قلت: أعـ
…
ـلم منه إبليس وأشهر
قالوا: تقي قلت: هل
…
يدري التقي علام يقبر
أولى له شكر الذي
…
أولاه ذا الفضل المؤزر
قالوا: له جسم كبيـ
…
ـر قلت: جسم الفيل أكبر
قالوا: له عصبية
…
تذر العدو وقد تقهقر
فأجبت يوشك أن يذلـ
…
ـل بموتهم جمعاً ليزجر
قالوا: إذن ولم التكبـ
…
ـر قلت: ذا معنى ميسر
ظن الغبي بأن فضـ
…
ـل الله فضل عنه يؤثر
فبه سما وإذا صحا
…
لمح الحقيقة فيه تزأر
تلك الحقيقة فاعرفو
…
ها يا ذوي القلب المطهر
وعليكمو مني سلا
…
م عَرْفه في الكون ينشر (2)
(1) - سورة الأعراف الآية (12) .
(2)
- انظر: النهضة الإصلاحية ص572.
أما منصور الفقيه فهو يقول في ذم الكبر والعجب:
تتيه وجسمك من نظفة
…
وأنت وعاء لما تعلم
وقال ابوبكر رضي الله عنه: لايحقرن احدٌ احداً من المسلمين، فإن صغير المسلمين عند الله كبير.
وقال محمد بن الحسين بن على رضوان الله عليهم اجمعين: ما دخل قلب امرء شئ من الكبر قط الانقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك قل او كثر. وقال الاحنف بن قيس رحمه الله: ما تكبر احد الا من ذله يجدها في نفسه. وقال حكيم رحمه الله: العجب والكبر حمق يغطي به صاحبه عيوب نفسه. وقال الشاعر:
يا مظهر الكبر اعجابا بصورته
…
انظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم
…
ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة
…
وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك
…
والعين مرفظة والثغر ملعوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غداً
…
أقصر فإنك مأكول ومشروب
وقال القرطبي: قال ابن العربي: وكان شيوخنا يستحبون أن ينظر المرء في الأبيات الحكيمة التي جمعت هذه الأوصاف العلمية، ونقل هذه الأبيات:
كيف يزهو من رجيعه
…
أبد الدهر ضجيعه
فهو منه وإليه
…
وأخوه ورضيعه