الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي (1)، وقد ذكَّر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بما أسدى إليه من النعم وأكرمه من الغنى فقال:{وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} (2) .
البكور في طلب الرزق
البكور في طلب الخير خير، فالعاقل من الناس من يتنسم نسيم الصباح، ويبكر في عمله، فكل عمل يبتدأ به في البكور اتقن وتم، فإن التبكير يجلب الخير، ويكثر الربح، ويزيد في انجاز الأعمال واتمامها، والغفلة وقت الصبح تأخر الكسب، وتعطل السير في العمل، وتدعو إلى الكسل والفتور، وتضيع فرصة التقدم، والاتفاق على بدء العمل والسير فيه، فمن تأخر في النوم حتى تشرق الشمس جمد فكره، وخمدت قريحته، وضل تدبيره، وتأخر عمله، وحرم من نسيم الصبح العليل البليل، ومن سعة الرزق الوفير الغزير، وفي الحديث النبوي عن صخر الغامدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:(اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. (3)
قال الشاعر:
أَيُّها الغادونَ كَالنَحـ
…
ـلِ اِرتِياداً وَطِلابا
في بُكورِ الطَيرِ لِلرِز
…
قِ مَجيئاً وَذَهابا
(1) - أخرجه أبو داود في سننه باب في الاستعاذة حديث (1555) .
(2)
- سورة الضحى الآية (8) .
(3)
- أخرجه أبو داود في سننه باب في الابتكار في السفر حديث (2606) .
اِطلُبوا الحَقَّ بِرِفقٍ
…
وَاِجعَلوا الواجِبَ دابا
وَاِستَقيموا يَفتَحِ اللَـ
…
ـهُ لَكُم باباً فَبابا
إِنَّما العاقِلُ مَن يَجـ
…
ـعَلُ لِلدَهرِ حِسابا
فَاِذكُروا يَومَ مَشيبٍ
…
فيهِ تَبكونَ الشَبابا
إِنَّ لِلسِنِّ لَهَمّاً
…
حينَ تَعلو وَعَذابا
فَاِجعَلوا مِن مالِكُم
…
لِلشَيبِ وَالضَعفِ نِصابا (1)
فمن تدثر الخمول، ونام في البكور؛ فقد أحرم نفسه من بركة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وضيع وقته وترك الحزم، وتجافى عن العزم.
قال الشاعر:
من ضيع الحزم في أوقاته ندم
…
وظل مكتأباً والقلب قد سأمَ (2)
ولمهذب الدين (3) :
وإذا الكريمُ رأى الخُمُولَ نَزِيلَهُ
…
في بَلدةٍ فالحَزْمُ أن يترحَّلا
كَالبدرِ لَمّا أَنْ تَضاءَلَ جَدَّ في
…
طَلَبِ الكَمالِ فَحازَهُ متَنقّلا
سفَهَاً لحلْمِكَ إِنْ رَضِيتَ بمشْرَبٍ
…
رَنِقٍ ورزقُ اللَّه قَد مَلأَ المَلا
لا تَحْسَبَنَّ ذهابَ نفسكَ مِيتَةً
…
ما الموتُ إلا أن تعيش مُذَلّلا
(1) - هذه الأبيات لاحمد شوقي رحمه الله.
(2)
- هذا البيت لحسام الدين الواعظي.
(3)
- أحمد بن منير بن أحمد أبو الحسين مهذب الدين، شاعر مشهور من أهل طرابلس الشام، ولد بها وسكن دمشق ومدح السلطان الملك العادل محمود زنكي بأبلغ قصائده، وكان هجاءاً مرّاً حبسه صاحب دمشق على الهجاء وهمّ بقطع لسانه ثم اكتفى بنفيه منها، فرحل إلى حلب وتوفي بها، له (ديوان شعر-ط)
استقبل اليوم من أوله بثغرٍ باسم، وصدرٍ منشرح، وعزيمة قوية، ونفس ندية سخية، فالتبكير إلى العمل الصالح رزق تشهده، وخير تحصل عليه، وفي الحديث النبوي الشريف أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها:(يا بنية قومي اشهدي رزق ربك، ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس)(1) ، وفي ذلك ما يشعر بالنهي عن النوم في البكور كي لا يتعود الإنسان عليه وليتعود على العمل.
وقد نسب إلى المأمون أنه قال: "الناس أربعة: عمارة، وتجارة، وصناعة، وزراعة، فمن لم يكن منهم صار عيالاً عليهم". (2)
قال صلاح الدين الصفدي:
الجد في الجد والحرمان في الكسل
…
فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
وللإمام علي رضي الله عنه:
إِصبِر عَلى مَضَضِ الإِدلاجِ في السَحَرِ
…
وَفي الرَواحِ إِلى الحاجاتِ وَالبُكرِ
لا تَضجَرَنَّ وَلا يَحزُنكَ مَطلَبُها
…
فَالنَجحُ يَتلَفُ بَينَ العَجزِ والضَجَرِ
إِنّي رَأَيتُ وَفي الأَيّامِ تَجرِبَةٌ
…
لِلصَبرِ عاقِبَةٌ مَحمودَةُ الأَثَرِ
وَقَلَّ مَن جَدَّ في أَمرٍ يُطالِبُهُ
…
وَاِستَصحَبَ الصَبرَ إِلا فازَ بِالظَفَرِ
وفي الأمثال السائرة: "إذا أخذت عملاً فقع فيه فإنما خيبته توقيه".
(1) - رواه البيهقي في شعب الإيمان حديث (4550) ، وسند الحديث ضعيف. وروى أيضاً عن علي وفاطمة معناه. وروى ابن ماجه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (نهى عن النوم قبل طلوع الشمس) .
(2)
- هامش الترغيب والترهيب ج2ص530.