الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر:
هَذا الزَمانُ تُناديكُم حَوادِثُهُ
…
يا دَولَةَ السَيفِ كوني دَولَةَ القَلَمِ
فَالسَيفُ يَهدِمُ فَجراً ما بَنى سَحَراً
…
وَكُلُّ بُنيانِ عِلمٍ غَيرُ مُنهَدِمِ (1)
دور القلم في سعادة الأمم وشقاؤها
للقلم دور في سعادة الأمم وشقاؤها، وله نصيب في مدحها وهجائها، فبه يتعلّم الجاهل، ويظفر العاقل، وقديماً قيل:"القلم لسان البصر يناجيه بما استتر عن الأسماع، إذا نسح حلله وأودعها حكمه"، فهو أنف الضمير إذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره، وبنوء القلم تصوب الحكمة، وقال ابن أبي دؤاد:"القلم الدنيا والآخرة". (2) وفي الأمثال السائرة: "عقول الرجال تحت أسنة أقلامها"، وقيل:"الأقلام مطايا الفطن".
ويرحم الله شوقي حيث يقول:
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ
…
عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ
…
وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا
وقال ابن أبي حصينة (3) :
جَزى اللَهُ خَيراً ظُهورَ الرِكاب
…
وَأَحسَنَ عَنِيّ جَزاءَ القَلَم
(1) - هذان البيتان لأحمد شوقي من قصيدة مطلعها:
الدَهرُ يَقظانُ وَالأَحداثُ لَم تَنَمِ
…
فَما رُقادُكُمُ يا أَشرَفَ الأُمَمِ
(2)
- أدب الكتاب ص63.
(3)
- الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة أبو الفتح الشامي. (388-457هـ/998-1064م) شاعر من الأمراء ولد ونشأ في معرة النعمان بسورية انقطع إلى دولة بني مرداس في حلب فامتدح عطية بن صالح المرداسي فملكه ضيعة فأثرى، وأوفده ابن مرداس إلى الخليفة المستنصر العلوي بمصر رسولاً سنة 437هـفمدح المستنصر بقصيدة وأعقبها بثانية سنة 450هـ فمنحه المستنصر لقب الإمارة، ثم كتب له سجلاً بذلك فأصبح يحضر في زمرة الأمراء ويخاطب بالإماره وتوفي في سروج، له (ديوان شعر -ط) طبع بعناية المجمع العلمي بدمشق مصدراً بمقدمة من إملاء أبي العلاء المعري وقد قرئ عليه.
وقال أيضاً:
ما أَقبَحَ العِرضَ مَدنُوساً بِفاحِشَةٍ
…
يَخُطُّها اللَوحُ أَو يَجري بِها القَلَمُ
وقال بعض الكتاب: " القلم الرديء كالولد العاق"، وقالوا:"القلم أحد اللسانين، والعم أحد الأبوين، والتثبت أحد العفوين، والمطل أحد المنعين، وقلة العيال أحد اليسارين، والقناعة أحد الرزقين، والوعيد أحد الضربين، والرواية أحد الهاجيين، والهجر أحد الفراقين، واليأس أحد النجحين، والمزاح أحد السبابين"، وقيل:"القلم لسان اليد"، وقد فاخر صاحب سيف صاحب قلم، فقال صاحب القلم: انا أقتل بلا غرر وأنت تقتل على خطر، فقال صاحب السيف: القلم خادم السيف فإن بلغ مراده وإلا فإلى السيف معاده، أما سمعت قول أبي تمام (1) :
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
…
في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
أما الصنوبري (2) فهو يقول:
ما كنتُ أحسَبُ أنَّ الخِنجَرَ القَلَمُ
…
مِنْ قبلِ هذا ولا أنَّ المِدادَ دَمُ
(1) - حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، (188-231هـ/803-845 م) ، أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها، كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع، في شعره قوة وجزالة، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني، نشأ في دمشق وعمل حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية، وفي أخبار أبي تمام للصولي: أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء.
(2)
- أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبي الحلبي الأنطاكي أبو بكر، المتوفى سنة 334 هـ945م، شاعر اقتصر في أكثر شعره على وصف الرياض والأزهار، وكان ممن يحضر مجالس سيف الدولة تنقل بين حلب ودمشق وجمع الصولي ديوانه في نحو 200ورقه وجمع الشيخ محمد راغب الطباخ ما وجده من شعره في كتاب سماه (الروضيات-ط) صغير، وفي كتاب (الديارات-ط) للشابشتي زيادات على ما في الروضيات.
حتَّى كتَبْتَ فما أبقَيْتَ جَارِحَةً........إِلاّ وَفيها عَلى مِقدارِاها أَلمُ
يا كاتِباً جَرَحَتْ روحي كَتَابَتُهُ
…
والجُرْحُ في الرُّوحِ جرحٌ ليسً يَلتَئِمُ
اِذْهبْ فحَقُّ أميرٍ أنْتَ كاتِبُهُ
…
أنْ لا يَقومَ لَهُ عُرْبٌ ولا عَجَمُ
وقال بشر بن الحارث (1) : "لسان الإنسان قلم ملكه الموكل به، وريقه مداده، وقرطاسه جلده، يملي عليه كتاباً إلى ربه، فلينظر الإنسان قبل فوت النظر ماذا يملي"، وفي الذكر الحكيم:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (2)، وفي سورة ق:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (3)، وفي سورة عبس يقول المولى جل وعلا:{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (4) ، فالسفرة الكتبة الواحد سافر والجمع سفرة مثل كافر وكفرة، ومعنى سافر كاتب يكتب في الأسفار واحدها سفرة وهي الصحف وسفر إذا كتب من سفر فهو سافر، ورحم الله القائل:
ونحن الكاتبون وقد أسأنا
…
فهبنا للكرام الكاتبين
وبالقلم كتب القرآن وجمع، وبه حفظت الألسن والآثار، ووكدت العهود، وسيقت التواريخ، وبقيت الصكوك، وأمن الإنسان النسيان،
(1) - بشر بن الحارث بن علي بن عبد الرحمن المروزي أبو نصر الحافي محدث ثقة توفى سنة 227هـ.
(2)
- سورة الانفطار الآيات (10-13) .
(3)
- الآيات (16-18) .
(4)
- الآيتان (16-17) .