الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقديماً قيل: "إن يكن الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة". وقال الشاعر:
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً
…
ندمت على التفريط في زمن البذر
وفي الحديث النبوي: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)(1) .
الحرفة أو الصنعة ضرورة
إن عمل الإنسان اليومي يعد ضرورةً لكسب الرزق، واستمرار الحياة، ومن المروءة أن يسعى الإنسان للتكسب على نفسه ومن يعول، واتخاذ حرفة أو صنعة أو وظيفية يعمل فيها المرء، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحترفون العمل، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعمل قبل توليه الخلافة تاجراً، وكان خَبَّاب بن الأَرت حداداً، وعبد الله بن مسعود راعياً، وسعد بن أبي وقاص صانع نعال، وبلال ابن رباح خادماً، والزبير بن العوام خياطاً، وسلمان الفارسي حلاقاً، وروي أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه سقى بالدلاء على تمرات، فالعمل شرف وعزة مهما رآه البعض وضيعاً، فقد روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:(لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره؛ خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه)(2)، وقد روى الطبراني في الكبير والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(إن الله يُحِبُّ العَبْدَ المُؤْمِنَ المُحْتَرِفَ)(3) .
وقال أبو العتاهية:
وَلَيسَ عَلى عَبدٍ تَقِيٍّ نَقيصَةٌ
…
إِذا صَحَّحَ التَقوى وَإِن حاكَ أَو حَجَم
وقال آخر:
يا بارئ القوس برياً ليس يحسنه
…
لا تظلم القوس اعط القوس باريها
فاحترام التخصص واتخاذ حرفة بعينها أو وظيفة بعينها سبب في اتقان العمل، واحكام الصنعة، قال الشاعر:
وَكفّ فَتىً لم يَعرفِ السَّلخَ قَبلها
…
تَجورُ يَداهُ في الإِهابِ وَتَخرُجُ
وسأل معاوية رجلاً من عبد القيس: ما تعدون المروءة فيكم؟ قال: الحرفة والعفة، وكان عمر رضي الله عنه إذا نظر إلى رجل سأله: أله حرفة؟ فإذا قال: لا، سقط من عينه، ونظر عمر رضي الله عنه إلى أبي رافع وهو يقرأ ويصوغ، فقال: يا أبا رافع أنت خير مني تؤدي حق الله تعالى وحق مواليك، وقيل لأعرابي ينسج: ألا تستحيي أن تكون نساجاً؟ قال: إنما أستحيي أن أكون أخرق لا أنفع أهلي، وحرفة يقال فيها خير من مسألة الناس، وقيل: إن الله يحب التاجر الصدوق، والصانع الناصح لأنه حكيم. (4)
أصناف الصناعات
إن التصنيع يعتبر حجر الزاوية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في شتى المجالات، ولهذا تتعدد أنواع الصناعات، فمن صناعة
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه باب بدء الوحي حديث (1) .
(2)
- صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف من المسألة، حديث (1104) ، وأورده احمد في مسنده، مسند أبي هريرة، حديث (7315) .
(3)
- أورده الإمام السيوطي في جامع الأحاديث والمراسيل، حديث (5570) ، وأورده محمد بن سلامة بن شهاب القضاعي في مسنده، باب إن الله يحب المؤمن المحترف، حديث (1072) الناشر مؤسسة الرسالة، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب البيوع، باب الكسب والتجارة، حديث (1326) ، ورواه الطبراني والبهقي والحكيم من حديث ابن عمر- وأورده النبهاني في الفتح الكبير في ضم الزيادات إلى الجامع الصغير، ج1ص312، طبعة1350هـ.
(4)
- محاضرات الأدباء ص176.
السيارات والطائرات والبواخر والسفن وهي ضرورة لتواصل الناس وانتقالهم إلى أعمالهم وحمل أثقالهم وأمتعتهم في أسفارهم، إلى صناعة الدبابات والصواريخ والمدرعات وهي ضرورة في إعداد المؤمنين القوة لأعدائهم، إلى صناعة الملابس والحلي والمجوهرات والمقتنيات، إلى صناعة الأدوات الهندسية والطبية والرياضية وصناعة الأدوية، إلى غير ذلك من أنواع الصناعات الالكترونية، وغيرها مما لا يكاد يندرج تحت حصر مما يحتاجه الناس في هذه الحياة، وكم من الصناعات والحلي والمنسوجات والمصنوعات ما يستخرج من الذهب والحديد والفضة والنحاس والرصاص والخشب والمواد البترولية ومشتقاتها إلى غير ذلك من الموارد الطبيعية التي تستخدم في الصناعة لتلبي رغبات الناس وتسد حاجاتهم، وكل هذه الصناعات شريف كسبها، عظيم نفعها، رفيع العمل فيها، كيف وقد عني القرآن الكريم بتوجيه الناس في آيات كثيرة تحثهم على ممارسة الصناعات، واستخراج خيرات الأرض، وجعلها صالحة لتلبية حاجات الناس المتعددة كما يقول جل شأن:{وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (1) ،
…
وأخبر سبحانه عن تعليمه وإرشاده لنبي من أنبيائه في تصنيع الحديد فقال: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (2) .
(1) - سورة الحديد الآية (25) .
(2)
- سورة الأنبياء الآية (80) .
وقد كان أنبياء الله يعملون ويحبون العمل، وقد أرشدهم الله إلى الصناعة لعظيم نفعها فهذا نبي الله داود عليه السلام يأمره الله بقوله:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (1)، وهذا نوح عليه السلام يأمره الله تعالى:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (2)، وهذا زكريا عليه السلام يخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان نجاراً إذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم:(كان زكريا نجاراً)(3) ، وقد كان ادريس عليه السلام خياطاً وموسى عليه السلام راعياً وتاجراً، وفي ذلك اعلاء لشأن العمل ودليل على شرف العاملين، وفي الحديث النبوي:(مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)(4) .
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرعى الغنم لأهل مكة بالقراريط قال سويد: يعني كل شاة بقيراط (5) .
(1) - سورة سبأ الآية (11) .
(2)
- سورة هود الآيتان (38و37) .
(3)
- أخرجه ابن ماجه في سننه باب التجارة باب الصناعات حديث (2150) .
(4)
- صحيح البخاري كتاب البيوع باب كسب الرجل وعمله بيده حديث (1966) .
(5)
- ابن ماجه في سننه باب التجارة باب الصناعات حديث (2149) .