الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعبير بطريق معرفة الترك أولى من قولنا عن الأمرين معًا نقل الترك، بل نقل الترك خاص بالأمر الأول منهما، أما الثاني فهو ليس نقلًا للترك بل هو ترك لنقل الفعل.
والذي ذكره ابن القيم في النوع الثاني هو حالة مخصوصة في النقل، وإنما خص ابن القيم هذه الحالة المخصوصة في النوع الثاني، لأنه كان في معرض الكلام عن الترك الكفي أو الامتناعي، والكلام هنا عن ترك النقل إجمالًا، ولذا لابد من بيان وجه ثبوت كل طريق على حدة.
إثبات الطريق الأول لا إشكال فيه:
لا شك أن النوع الأول لا يحتاج إلى إثبات فهو واضح، وهو أمر لا يخص الترك وحده بل كل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وأحواله وصفاته لابد لها من النقل حتى تعرف، وذلك لأن الأصل في الأفعال العدم، فإثبات الفعل ناقل عن الأصل فيحتاج إلى نقل.
والترك الذي هو من أقسام الفعل - الترك الوجودي - لابد له من نقل ليخرج عن الأصل - وهو العدم - وهذا واضح لا إشكال فيه.
إشكالية ثبوت الطريق الثاني:
أما الإشكال فهو في النوع الثاني، وذلك أن لا يلزم من عدم نقل أمر ما كون هذا الأمر لم يحصل، فلا تلازم إذن بين كون الشيء لم ينقل وبين كونه قد حصل، فإن ما حصل عند من لم يطلع على نقله لا يصح فيه أن يقال إنه لم يحصل، فكيف يستدل إذن على أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك فعلًا ما بأنه لم ينقل لنا أنه
فعل، فلربما حصل ولم يبلغنا ولم ينقل إلينا، وهو ما عبر عنه الأصوليون بأن عدم النقل لا يستلزم نقل العدم.
وهذا الإشكال أشار إليه ابن القيم رادًا عليه فقال:
"فإن قيل: فأين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ فهذا سؤال بعيد جدًّا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح وقال: من أين لكم أنه لم ينقل
…
" (1).
وعندما تعرض الدكتور الأشقر للكلام على هذا النوع في رسالته (2) ذكر أن هذه القاعدة الأصولية مسألة مهمة، ولذا فقد ناقش هذه القاعدة الأصولية من خلال تتبع خلاف العلماء في فرع فقهي، وهو أصناف الخارج من الأرض، وذلك لأنه رأى أن كل من أثبت هذه القاعدة مثلوا بهذا المثال، وقد ذكر أن إثبات هذه القاعدة على إطلاقها يقتضي أن كل ما لم ينقل فعل النبي صلى الله عليه وسلم له فقد تركه، وحينئذ يكون بمنزلة النص على حكمه، وذلك يقتضي منع إجراء العموم على وجهه .. ويقتضي منع القياس في ذلك. وهذا الذي ذكره لا يلزم من إثبات القاعدة الأصولية، ولم يُرِد ابن القيم هذا الإطلاق الذي ذكره الدكتور الأشقر، فابن القيم لم يُرد كل أنواع ترك النقل، وإنما خص نوعًا واحدًا وهو ما كان مع وجود مقتضٍ للفعل ولم يكن هناك مانع ..
(1) إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 264).
(2)
أفعال الرسول ودلالتها على الأحكام الشرعية (2/ 62 - 69).