الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خافٍ أن تلك الأفعال عبادات محضة، فتخصيص ليلة بنوع من العبادات يحتاج إلى دليل.
أيضًا فتخصيص يوم بالاحتفال واتخاذه عيدًا مما يحتاج إلى دليل يثبت أن هذا اليوم يشرع للمسلمين اتخاذه عيدًا.
فإن قال قائل: ليس اتخاذ العيد من العبادات المحضة، قلنا: على التسليم بذلك فإن الدليل قد ورد بالمنع من ذلك في الحديث المشهور الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فمنعهم من ذلك (1).
فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من ذلك، رغم أنها لم تكن للعبادة، إذ اتخاذ يوم بعينه عيدًا من شعائر الإسلام الظاهرة التي تحتاج إلى توقيف بدليل هذا الحديث.
وعليه فالذي يجري على القواعد هو القول بعدم جواز الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، ولا يجوز تخصيص تلك الليلة بعبادة يعتقد لها فضل دون غيرها من العبادات.
المطلب الرابع: تشييع الجنازة بالذكر:
ذهب الشيخ الغماري إلى جواز ذلك، وقد ذكر الشيخ علي محفوظ (2) أدلة القائلين بجواز ذلك وهي:
(1) الحديث رواه أبو داود (1/ 294 / 1134) كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4/ 297 / 1039).
(2)
الإبداع في مضار الابتداع (ص 222).
• أنه صار شعارًا للموتى، وفي تركه ازراء بالميت وتعريض العِرضَ للكلام فيه.
• أن في الاشتغال بالذكر ونحوه ترك التكلم واللغط بأمور الدنيا.
• أن فيه مخالفة اليهود والنصارى في جنائزهم حيث اعتادوا السكوت فيها.
أما هو -الشيخ علي محفوظ- فقد ذهب إلى أن ذلك بدعة.
قال: "ومن البدع السيئة: الجهر بالذكر أو بقراءة القرآن أو البردة أو دلائل الخيرات ونحو ذلك، وكل هذا مكروه، للإجماع على أن السنة في تشييع الجنازة السكوت وجمع الفكر للتأمل في الموت وأحواله، وعليها عمل السلف رضوان الله عليهم".
واستدل على ذلك بدليلين:
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن وعند الزحف وعند الجنازة".
لكن هذا الحديث ضعيف، فقد رواه الطبراني (1) وفيه راوٍ لم يسم (2).
الثاني: ما ورد من قول بُكَيْر بن عتيق، قال: كنت في جنازة فيها سعيد بن
(1) في المعجم الكبير (5/ 213 / 5131) عن رجل عن زيد بن أرقم.
(2)
قاله الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 29)، وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 584 / 959) وقال: قال أحمد بن حنبل: ليس بصحيح، وضعفه الألباني في الضعيف الجامع حديث رقم (1703).
جبير، فقال رجل: استغفروا له غفر الله لكم، قال سعيد بن جبير: لا غفر الله لك (1).
قال الشيخ علي محفوظ: "فإذا كان هذا حالهم في تحفظهم من رفع الصوت بمثل هذا اللفظ، فما بالك بما يفعله غالب أهل هذا الزمان من رفع الأصوات بنحو ما تقدم"(2).
وقال أيضًا: "وجملة القول: أن السنة في اتباع الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار، وبهذا كان عمل الصحابة فمن بعدهم، وأن اتباعهم سنة، ومخالفتهم بدعة"(3).
أقوال المذاهب في هذه المسألة:
قال النووي: "الصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما؛ لأنه أسكن للخاطر، وأجمع للفكر فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال، هذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه"(4).
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 448 / 11295).
(2)
الإبداع في مضار الابتداع (ص 223).
(3)
الإبداع في مضار الابتداع (ص 225).
(4)
الأذكار للنووي (ص 185)[(الأذكار من كلام سيد الأبرار)، تأليف: الإمام الحافظ محي الدين أبي زكريا يحعص بن شرف النووي الدمشقي الشافعي، إعداد: مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار الباز، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة- الرياض، ط. الأولى (1417 هـ- 1997 م)].
قال الرملي: "ويكره ارتفاع الأصوات في سير الجنازة لما رواه البيهقي: أن الصحابة رضي الله عنهم كرهوا رفع الأصوات عند الجنائز والقتال والذكر، وكره جماعة قول المنادي مع الجنازة: استغفروا الله له، فقد سمع ابن عمر رضي الله عنهما رجلًا يقول ذلك، فقال: لا غفر الله لك"(1).
وفي الفتاوى الهندية ما ملخصه: "وعلى متبعي الجنازة الصمت، ويكره لهم رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن، فإن أراد أن يذكر الله يذكره في نفسه"(2).
وقال ابن الحاج (3): "وليحذر من البدعة الأخرى التي يفعلها أكثرهم، وهي أنهم يأتون بجماعة يسمونهم بالفقراء الذاكرين، يذكرون أمام الجنازة
(1) نقله الشيخ علي محفوظ في الإبداع، وهو في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 23) لشمس الدين محمد بن أبي العباس بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي، الناشر: دار الفكر للطباعة، بيروت - لبنان، ط. (1404 هـ - 1984 م).
(2)
الفتاوى الهندية (1/ 178)[المعروفة بـ (الفتاوى العالمكرية) في مذهب الإمام أبي حنيفة، تأليف: العلامة الهُمام مولانا الشيخ نظام، وجماعة من علماء الهند الأعلام، ضبطه وصححه: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط. الأولى (1421 هـ - 2000 م)].
(3)
هو: أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري القبيلي الفاسي المغربي ثم المصري المالكي الشهير بابن الحاج، وكان مشهورًا بالزهد والورع والصلاح، توفي سنة (737 هـ)، وله من المصنفات:(المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على بعض البدع)، و (شموس الأنوار وكنوز الأسرار)، وغيرها.
[الدرر الكامنة (4/ 237)، والديباج المذهب (413/ 571)].
جماعة على صوت واحد، ويتصنعون في ذكرهم. . إلى أن قال: على أنهم لو أتوا بالذكر على وجهه لمنع فعله للحدث في الدين" (1).
قال ابن قدامة: "ويكره رفع الصوت عند الجنازة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنازة بصوت"(2).
ولابد هنا من بيان عدة أمور:
الأول: أن تشييع الجنازة بالذكر المراد منه: الذكر الجماعي بالصوت المرتفع أثناء الجنازة، وليس المراد منه أن مشيع الجنازة يذكر الله في نفسه فهذا هو المشروع وهو مما لا خلاف فيه.
الثاني: أن الصفة التي كان عليها السلف هي الصمت والسكوت أثناء تشييع الجنازة.
* والدليل على ذلك أمور:
أولها: أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك.
ثانيها: إنكار الصحابة رضي الله عنهم وتابعيهم على فاعل ذلك.
ثالثها: الحديث الوارد لكنه لا يصح.
(1) المدخل (3/ 222) لأبي عبد الله محمد بن محمد العبدري القاسمي المالكي الشهير بابن الحاج، قرأه وضبط نصه: الشيخ حسن أحمد عبد العال، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، الطبعة الأولى (1425 هـ - 2005 م).
(2)
المغني (3/ 400).