الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: تعارض الترك مع غيره
الترك من الأفعال - كما سبق بيانه - ولذلك فإن بحث تعارض الترك مع غيره يقتضي البحث في تعارض القول مع الفعل وفي تعارض الأفعال.
المطلب الأول: تعارض الترك مع القول:
تعارض القول مع الفعل قسمه الأصوليون إلى صور كثيرة عدَّها بعضهم كالشوكاني ثمانٍ وأربعين صورة، وأوصلها الزركشي إلى ستين صورة، وبلغ بها المرداوي ستًّا وسبعين صورة، وأغلب هذه الصور صور نظرية مفترضة لا وجود لأغلبها في التطبيق العملي كما يذكر الزركشي والعلائي والمرداوي والشوكاني (1).
لكن حاصل ما ذهبوا إليه في القول المراد به العموم إذا عارض الفعل ثلاثة أقوال، أحدهما تقديم القول، والثاني تقديم الفعل، والثالث طلب
(1) انظر الكلام على مسألة تعارض القول والفعل من النبي صلى الله عليه وسلم في المواضع التالية:
أصول الجصاص (3/ 170)، أحكام ابن حزم (4/ 586)، أصول ابن مفلح (1/ 358)، (1/ 355)، التبصرة للشيرازي (ص 142)، اللمع للشيرازي (ص 146)، التمهيد لأبي الخطاب (2/ 330، 333)، الأسمندي (ص 319)، التحبير (3/ 1499)، المستصفى (3/ 476)، المحصول للرازي (3/ 256)، الإبهاج للسبكي (5/ 1783)، البحر المحيط (4/ 196)، قواطع الأدلة (1/ 311)، تشنيف المسامع (2/ 911 - 914)، الغيث الهامع (2/ 464)، لباب المحصول (2/ 638)، تحفة المسؤول للرهوني (2/ 204)، المسودة (1/ 199)، شرح الكوكب المنير (2/ 199).
مرجح من الخارج.
أما الذين قالوا بتقديم القول فذلك لأنه بيان بنفسه دون الفعل ودلالة القول أقوى من دلالة الفعل فيقدم.
والذين قدموا الفعل قالوا: هو أقوى في الدلالة والبيان على المراد.
أما الذين قالوا بطلب المرجح من الخارج فقالوا لأنهما في الدلالة سواء.
وذكر العلائي والزركشي أن الذي يجري على قواعد الأصوليين في هذا الشأن أن يحمل القول على وجه، ويحمل الفعل على وجه آخر، أو يصرف الفعلُ القولَ عن ظاهره إلى أحد معانيه.
وحيث أن الترك فعل، فإن تعارض القول مع الترك يكون بأن يترك النبي صلى الله عليه وسلم موجب ما دل عليه القول، وهو إما أمر أو نهي:
فحصول التعارض في الأمر يكون بأن يأمر بفعل ثم يترك فعله، وحصول التعارض في النهي يكون بأن ينهى عن فعلٍ ثم يفعله، فيكون تاركًا للامتثال لما دل عليه النهي.
وهاتان الصورتان يصح فيهما أن يحمل الأمر على عدم الوجوب، فيكون الفعل قرينة تصرفه عن ظاهره، ويحمل النهي على الكراهة دون التحريم، وهذا الوجه في الجمع فيه إعمال للدليلين معًا في المحل الواحد وهو أولى من حمل كل دليل على محل غير الذي يتعلق به الآخر.
ثم إنه صنيع الفقهاء فيما لا يحصى في المواضع، وقد نص الأصوليون في باب الأمر والنهي على صرف الأمر عن الوجوب والنهي عن التحريم، بدلالة