الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين، قال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؛ قال:"لم أنس ولم تقصر"، فقال:"أكما يقول ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم سلم (1).
المسألة السادسة: الترك لمجرد الطبع:
ومثاله: ما ورد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة رضي الله عنها وهي خالته، وخالة ابن عباس رضي الله عنه فوجد عندها ضبًا محنوذًا (2) قَدِمَت به أختها حُفَيدة بنت الحارث رضي الله عنهما من نجد، فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قلما يُقدِّم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدمتن له، قلن: هو الضب، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب، فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"، قال خالد: فاجتززته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي (3).
(1) رواه البخاري (1/ 674 / 482) كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، ومسلم (1/ 403 / 573) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له.
(2)
محنوذ: أي مشويّ، وقيل: المشويّ على الرضف، وهي الحجارة المحماة.
(3)
رواه البخاري (9/ 444 - 445/ 5391) كتاب الأطعمة، باب السويق، ومسلم =
وقد استدل العلماء بهذا الحديث على إباحة أكل الضب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح بالمانع من أكله.
قال ابن قدامة: "وأما الضب فإنه مباح في قول أكثر أهل العلم، منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وأبو سعيد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وبهذا قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر" (1).
قال ابن عباس: "ترك رسول الله الضب تقذرًا وأُكل على مائدته، ولو كان حرامًا ما أُكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم "(2).
وقد ورد عن أبي الزبير رضي الله عنه أنه قال: سألت جابرًا رضي الله عنه عن الضب، فقال: لا تطعموه، وقَذِرَه، وقال: قال عمر رضي الله عنه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرمه، إن الله عز وجل ينفع به غير واحد، فإنما طعام عامة الرعاء منه، ولو كان عندي طعمته"(3).
وقد نقل النووي الإجماع على أن الضب مباح فقال: "وأجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه، إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته، وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا: هو حرام وما
= (3/ 1543 / 1945) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، ومعنى محنوذ: أي: مشوي، وقيل: المشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة.
(1)
المغني (13/ 340).
(2)
رواه البخاري (5/ 240 / 2575) كتاب الهبة، باب قبول الهدية، ومسلم (3/ 1544 - 1545/ 1947) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب.
(3)
صحيح مسلم (3/ 1545 - 1546/ 1950) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب.
أظنه يصح عن أحد، فإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله" (1).
والذي دعى النووي إلى نقل الإجماع هو صراحة الحديث على الحل، ولكن الإجماع هذا مردود بخلاف أبي حنيفة وأصحابه، ولو قال: أجمع العلماء على أن دلالة هذا الحديث حل الضب لكان قولًا صحيحًا، فإن الذين ذهبوا إلى كراهته أو حرمته لم يعارضوا كون ذلك الحديث دالًا على الإباحة لما ذكره النبي من السبب، بل للأحاديث التي وردت تفيد عدم جواز أكله.
فمن ذلك:
- ما ورد من حديث عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب (2).
- ما ورد من حديث ثابت بن وديعة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابًا، قال فشويت منها ضبًا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه، فأخذ عودًا فعد به أصابعه، ثم قال:"إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض، وإني لا أدري أي الدواب هي"، قال: فلم يأكل ولم ينه (3).
(1) شرح صحيح مسلم (13/ 98).
(2)
رواه أبو داود (3/ 353 / 3796) كتاب الأطعمة، باب في أكل الضب، قال الحافظ في الفتح (9/ 583): وإسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 1157 / 6856).
(3)
رواه أبو داود (3/ 353 / 3795) كتاب الأطعمة، باب في أكل الضب، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 402 / 2004).
- ما رواه أبو سعيد رضي الله عنه أن أعرابيًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني في غائط مضبة، وإنه عامة طعام أهلي، قال: فلم يجبه ثلاثًا، ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة فقال:"يا أعرابي: إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، ولا أدري لعل هذه منها فلم آكلها، ولم أنه عنها"(1).
قال بعض الحنفية: اختلفت الأحاديث وتعذرت معرفة المتقدم فرجحنا جانب التحريم (2).
والرد عليهم: أن معرفة المتقدم ممكنة وليست متعذرة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ولا أدري لعل هذه منها".
وهذا يقتضي أنه لم يوحَ له في ذلك بشيء، ثم أوحي له أنه ليس منهم، والدليل على ذلك ما ورد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلًا قال:"يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ الله؟ "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله لم يهلك أو يعذب قومًا فيجعل لهم نسلًا"(3).
قال ابن حجر: "والأحاديث وإن دلت على الحل فالجمع بينها وبين الحديث المذكور: حمل النهي فيه على أول الحال، ثم تجويز أن يكون مما مسخ،
(1) رواه مسلم (3/ 1546 / 1951) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب.
(2)
فتح الباري (9/ 584).
(3)
رواه مسلم (4/ 2051 - 2052/ 2663) كتاب القدر، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر.