الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال:"يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل، فقال: مطبوب، قال: من طبه، قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء، قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، قال: فأين هو، قال: في بئر ذَروان"، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال:"يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين"، قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته؟، قال صلى الله عليه وسلم:"قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شرًا"، فأمر بها فدفنت (1).
المسألة الثالثة: الترك لأجل الإنكار:
هو أن يكون ترك النبي صلى الله عليه وسلم مرادًا به أن ينكر على القائل أو على الفاعل قوله أو فعله.
* ومن أمثلة ذلك:
أ - ما ورد من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص (2) فلم يصل عليه (3)، وفي رواية: "أما أنا فلا أصلي
(1) رواه البخاري (10/ 232 / 5763) كتاب الطب، باب السحر (10/ 246 / 5766) كتاب الطب، باب السحر، ومسلم (4/ 1719 - 1725/ 2189) كتاب السلام، باب السحر.
(2)
المشاقص: سهام عراض واحدها مشقص، قاله النووي [شرح صحيح مسلم (7/ 51)].
(3)
رواه مسلم (2/ 672 / 978) كتاب الجنائز، باب ترك الصلاة على القاتل نفسه.
عليه" (1)، وفي رواية: "وكان ذلك منه أدبًا" (2).
قال النووي: "وفي هذا الحديث دليل لمن يقول لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء يصلى عليه.
وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرًا للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة" (3).
وقد اختلف العلماء في الصلاة على قاتل نفسه على أقوال:
القول الأول: يصلى عليه، وهو مذهب الشافعي (4) وعطاء (5) والنخعي (6).
(1) رواه النسائي (4/ 66) كتاب الجنائز، باب ترك الصلاة على من قتل نفسه (عنوان غير مصدر بباب)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (2/ 47 / 1962).
(2)
رواه ابن ماجه (1/ 488 / 1526) كتاب الجنائز، باب الصلاة على أهل القبلة، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 24).
(3)
شرح صحيح مسلم (7/ 51).
(4)
المصدر السابق (7/ 51).
(5)
هو: شيخ الإسلام أبو محمد عطاء بن أبي رباح - أسلم - بن صفوان المكي، القرشي، ولد في أثناء خلافة عثمان، ونشأ بمكة، من أجل فقهاء التابعين وزهادهم، وكان يُصاح في الحج: لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح، توفي سنة (114 هـ)، وله ثمان وثمانون سنة.
[سير أعلام النبلاء (5/ 552)، تذكرة الحفاظ (1/ 98 / 90)، شذرات الذهب (2/ 69)].
(6)
هو: أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو النخعي اليماني ثم الكوفي، الحافظ فقيه العراق من خيار التابعين ولد سنة 46 هـ، روى عن كبار التابعين مثل =
القول الثاني: يصلي عليه سائر الناس دون الإمام، نص عليه أحمد (1).
القول الثالث: لا يصلى عليه، وهو قول عمر بن عبد العزيز (2) والأوزاعي (3)(4).
لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: مات رجل بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلوا على صاحبكم، إنه غل في سبيل الله"، ففتشنا متاعه، فوجدنا فيه خرزًا من خرز يهود ما يساوي درهمين (5).
= مسروق وعلقمة بن قيس وعبيدة السلماني، توفي سنة 96 هـ.
[سير أعلام النبلاء (5/ 426)، شذرات الذهب (1/ 387)].
(1)
المغني (3/ 504).
(2)
هو: أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، القرشي الأموي المدني ثم المصري، الخليفة الراشد كان يسمى:"أشج بني أمية"، وأخباره مشهورة معروفة، ولد سنة (63 هـ)، وتوفي سنة (101 هـ)، وتولى الخلافة وهو ابن ست وثلاثين سنة تقريبًا.
[سير أعلام النبلاء (5/ 576)، شذرات الذهب (2/ 5)].
(3)
هو: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمَد الأوزاعي، نسبه إلى قرية "الأوزاع" بدمشق، وانتقل إلى بيروت ومات بها، وهو شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، كان إمامًا في الفقه والورع والزهد والحفظ، ولد سنة 88 هـ، وتوفي سنة 157 هـ.
[سير أعلام النبلاء (7/ 86)، تذكرة الحفاظ (1/ 178 / 177)، شذرات الذهب (2/ 256)].
(4)
المغني (3/ 505).
(5)
رواه النسائي (4/ 64) كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل (عنوان غير مصدر بباب)، وأبو داود (3/ 68 / 2710) كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول، وابن ماجه (2/ 950 / 2848) كتاب الجهاد، باب الغلول، وصححه ابن عبد البر في الاستذكار (14/ 195)، وصحح إسناده الألباني في أحكام الجنائز (ص 103، 110)، ط. الأولى (1412 هـ - 1992 م)، =
قال ابن قدامة: "وإنما اختص الامتناع بالإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على الغالّ قال: "صلوا على صاحبكم" (1).
قال ابن عبد البر (2): "وأما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه وأمر غيره بالصلاة عليه؛ لأنه كان لا يصلي على من ظهرت منه كبيرة، ليرتدع الناس عن المعاصي وارتكاب الكبائر"(3).
ولأجل هذا الحديث ذهب مالك وغيره إلى أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتولي في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجرًا لهم (4).
ب - ما ورد من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قدمت على أهلي ليلًا وقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فلم يرد علي ولم يرحب بي، وقال:"اذهب فاغسل هذا عنك"، فذهبت فغسلته، ثم جئت وقد بقي علي منه رَدع، فسلمت فلم يرد علي ولم
= مكتبة المعارف - الرياض.
(1)
المصدر السابق.
(2)
هو: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي، القرطبي المالكي، حافظ المغرب، ولد سنة 368 هـ، توفي سنة 463 هـ، له العديد من التصانيف الفائقة منها "التمهيد" و"الاستذكار" في شرح الموطأ، و"الاستيعاب في تراجم الأصحاب".
[سير أعلام النبلاء (13/ 524)، الديباج المذهب (ص 440/ 626)، وفيات الأعيان (7/ 66 / 837)].
(3)
الاستذكار (14/ 195).
(4)
شرح صحيح مسلم (7/ 51).
يرحب بي وقال: "اذهب فاغسل هذا عنك"، فذهبت فغسلته، ثم جئت
فسلمت عليه، فرد علي ورحب بي وقال: "إن الملائكة لا تحضر جنازة
الكافر بخير ولا المتضمخ بزعفران ولا الجنب" (1).
فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك رد السلام عليه ولم يرحب به إنكارًا لفعله، وقد فهم ذلك منه عمار رضي الله عنه، ففي رواية: قلت - أي ابن جريج - وهم حرم؟ قال: لا، القوم مقيمون.
قال العظيم آبادي (2): "والمعنى أن ابن جريج فهم أن إعراضه صلى الله عليه وسلم عن عمار لأجل استعمال الخلوق، لعل عمارًا ومن كان معه كان محرمًا، فلذا زجره النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه عمر بن عطاء بأن الزجر عن استعمال الخلوق ليس لأجل الإحرام بل القوم كانوا مقيمين"(3).
ج - ما ورد من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى إلى رسول الله
(1) رواه أبو داود (4/ 77 / 4176) كتاب الترجل، باب في الخلوق للرجال، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 539 / 4176)، والردع: لطخ من بقية لون الزعفران [عون المعبود (7/ 260)].
(2)
هو: محمد بن علي بن مقصود علي الصديقي، العظيم آبادي، أبو الطيب، شمس الحق، عالم بالحديث من أهل "عظيم آباد" في الهند، من كتبه "عون المعبود في شرح سنن أبي داوود" و "غاية المقصود" وهو شرح مطول لسنن أبي داوود، ولم يكمله، ولد سنة 1273 هـ، وتوفي سنة 1329 هـ.
[الأعلام للزركلي (6/ 301)].
(3)
عون المعبود شرح سنن أبي داود (7/ 261) لأبي الطيب العظيم آبادي، تحقيق: عصام الصبابطي، ط. (1422 هـ - 2001 م)، دار الحديث - القاهرة.
- صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا، فقال:"أكل ولدك نحلت مثله"، قال: لا، قال:"فأرجعه"(1).
وقد جاء مطولًا أن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: أنحلني أبي نُحلًا فقالت له أمي عَمرة بنت رواحة رضي الله عنها: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشهده، فذكر ذلك له فقال له: إني أنحلت ابني النعمان نحلًا، وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك، قال: فقال: "ألك ولد سواه"، قال: قلت: نعم، قال:"فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟ "، قال: لا، قال:" هذا جَور" أو "هذا تلجئة فأشهد على هذا غيري"(2).
د - ما رواه البخاري معلقًا (3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل شاب، وإني أخاف على نفسي العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة جف
(1) رواه البخاري (5/ 250 / 2586) كتاب الهبة، باب الهبة للولد، ومسلم (3/ 1241 - 1242/ 1623) كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة.
(2)
رواه أبو داود (3/ 290 / 3542) كتاب البيوع، باب في الرجل يفضل بعض ولده في النُحل، والترمذي (3/ 649 / 1367) كتاب الأحكام، باب ما جاء في النُحل والتسوية بين الولد، والنسائي (6/ 258) كتاب النُّحل، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر النعمان بن بشير في النُّحل، وابن ماجه (2/ 795 / 2375) كتاب الهبات، باب الرجل ينحل ولده.
(3)
رواه البخاري (9/ 20 / 5076) معلقًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بهذا اللفظ في كتاب النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء، ورواه النسائي (6/ 59) موصولًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب النكاح، باب النهي عن التبتل.
القلم بما أنت لاق، فاختصِ على ذلك أو ذر".
قال ابن حجر: "معناه افعل ما ذكرت أو اتركه واتبع ما أمرتك به
…
فليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد
…
وليس فيه تعرض لحكم الخصاء" (1).
هـ - ما ورد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا واستعمل عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من الغزو بدءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال:"ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، إن عليًا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي"(2).
و- ما ورد من حديث جُندَب بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا من المسلمين إلى قوم من المشركين وأنهم التقوا، فكان رجل من
(1) فتح الباري (9/ 22).
(2)
رواه الترمذي (5/ 590 / 3712) كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 261 / 2223).
المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلًا من المسلمين قصد غفلته - وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد - فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع فدعاه فسأله فقال:"لم قتلته؟ "، قال: يا رسول الله: أوجع في المسلمين وقتل فلانًا وفلانًا - وسمى له نفرًا - وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقتلته؟ "، قال: نعم، قال:"فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ "، قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال:"وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ "، فجعل لا يزيده على أن يقول:"وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ "(1).
ي - ما ورد من حديث زيد بن أسلم رضي الله عنه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير معه ليلًا، فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثكلتك أمك يا عمر، نَزَّرت رسول الله ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك.
قال عمر رضي الله عنه: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين، وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخًا يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن ينزل فيَّ قرآن، وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال:
(1) رواه مسلم (1/ 97 / 97) كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله.