الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: الترك لأجل النسيان
(1):
(1) اُختلف في جواز النسيان والسهو على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع على قولين:
القول الأول: يجوز، وهو قول الجمهور، وصححه النووي، ورجحه ابن حجر.
ومن أدلتهم على ذلك:
1 -
ما رواه البخاري (1/ 600 / 401)، ومسلم (1/ 400 / 572) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني
…
".
2 -
أن السهو لا يناقض النبوة؛ لأنه وإن سها فلا يقر عليه فلا تحصل منه مفسدة.
3 -
أن فيه فائدة بيان أحكام للناس وتقرير بعض الأحكام.
القول الثاني: لا يجوز السهو على النبي صلى الله عليه وسلم، وفرّق بعضهم بين الأقوال والأفعال، وقد نقل القاضي عياض الإجماع على عدم جواز السهو في الأقوال، لكن تعقبه ابن حجر في الفتح بإثبات الخلاف، وذكر القاضي الخلاف في الأفعال.
واستدل من قال بعدم جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم بأمور:
1 -
قوله في حديث ذي اليدين: "لم أنس"[البخاري (1/ 674 / 482)، ومسلم (1/ 403 / 573)]، فهذا نص منه على نفي النسيان؛ أي أنه في حقيقة الأمر لم ينس ولكنه تعمد ذلك لبيان التشريع.
وتعقب هذا الاستدلال بأمرين:
الأول: قول ذي اليدين: "بل نسيت"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكما يقول ذو اليدين؟ "، فقوله صلى الله عليه وسلم راجع إلى السلام؛ أي سلمت قاصدًا بانيًا على ما في اعتقادي أني صليت أربعًا.
الثاني: أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه ينفي ذلك، قال ابن حجر في الفتح:(فأثبت العلة قبل الحكم، وقيد الحكم بقوله: "إنما أنا بشر"، ولم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول: ليس نسيانه كنسياننا فقال: "كما تنسون").
2 -
حديث: "إني لا أنسى ولكن أُنَسَّى"، وأجيب عن ذلك بأن هذا من بلاغات مالك التي لم توصل بعد البحث الطويل عن طريق لوصلها كما يقول ابن حجر في الفتح، ولو صح ذلك لكان في نسيان آي القرآن، ولا يلزم من نفي النسيان في الآية نفي النسيان في كل شيء. =
ومثل هذا إنما يصرح به في الحديث ويبين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وإن نسي فإنه لا يقر عليه.
ومثاله:
أ - ما ورد من حديث المسور بن يزيد الأسدي المالكي رضي الله عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فترك شيئًا لم يقرأه فقال له رجل: يا رسول الله، أين كذا وكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلا أذكرتنيها"(1)، قال الرجل: كنت أراها نسخت.
ب - ما ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان
= ويجب أن يلاحظ هنا أمران في غاية الأهمية:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن سها لا يقر على السهو، وعلى هذا كافة العلماء، ونقل النووي وابن حجر الإجماع على ذلك.
2 -
أن الجمهور على جواز السهو على النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يتعلق بالبلاغ، وقيل: لا يجوز، ونقل ابن تيمية الجد الإجماع على جواز السهو فيما لا يتعلق بالتكاليف، وانظر: فتح الباري (3/ 122 - 121)، وشرح صحيح مسلم للنووي (5/ 64)، وعون المعبود للعظيم آبادي (2/ 377)، والمسودة (1/ 140)، وشرح الكوكب المنير (2/ 170 - 177)، وأصول الفقه لابن مفلح (1/ 323 - 325)، والبحر المحيط (4/ 172 - 175).
(1)
رواه أبو داود (1/ 236 - 237/ 907) كتاب الصلاة، باب الفتح على الإمام في الصلاة، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 254 / 907).