الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجه الدلالة: أن الحديث فيه إقرار للمرأة على أنها تريد أن ترجع إلى رفاعة، ومع ذلك لم تؤثر هذه النية بالمنع من الرجوع للزوج الأول ما دام الزوج الثاني قد جامعها، إذ لو كانت تلك النية مؤثرة لقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إن نية رجوعك إلى رفاعة مانعة من ذلك، فلما لم يعترض النبي صلى الله عليه وسلم على تلك النية كان ذلك دليلًا على أن تلك النية غير مؤثرة، ثم إن ذلك يشمل ما لو كانت نية المرأة قبل العقد أو بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم نية رجوعها ثم لم يستفصل، فدل ذلك على أنه لو كان له أثر في الحكم لاستفصل منها أكانت تلك النية قبل العقد أم بعده، فلما لم يستفصل دل ذلك على أنه لا يختلف الحكم بذلك.
المطلب الخامس: جواز الصلاة في مرابض الغنم هل يشترط فيه السلامة من أبوالها وأبعارها
؟
ثبت من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ"، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، فتوضأ من لحوم الإبل"، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم"، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا"(1).
(1) رواه مسلم (1/ 275 / 360) كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل.
دل هذا الحديث على إباحة الصلاة في مرابض الغنم، دون تفصيل بين أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها أم لا، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن ذلك، وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم (1).
قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها"(2).
بل نقل النووي الاتفاق على إباحة الصلاة في مرابض الغنم (3).
وفيه دليل أيضًا لما ذهب إليه عطاء، والنخعي، والثوري، ومالك، وأحمد، ومن الشافعية: ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني (4) من طهارة بول وروث مأكول اللحم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاستفصال من السائل أهناك حائل يحول بينك وبين أبعارها أم لا، والموضع موضع بيان ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم، بل أطلق الإذن (5).
فسؤال الرجل عام ويشمل ما إذا كانت سليمة من أبوالها أو لم تكن فلما لم يستفصل دل ذلك على أنه لا يختلف الحكم بين الحالتين.
(1) المغني (2/ 492).
(2)
المغني (2/ 492).
(3)
شرح صحيح مسلم (2/ 272).
(4)
فتح الباري (1/ 404).
(5)
الفتاوى الكبرى (1/ 394).
وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال بالنجاسة الشافعية في المشهور عنهم وكذلك أبو حنيفة وأبو يوسف.
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
- قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ، قالوا: والعرب تستخبث هذا.
- إطلاق الأحاديث التي فيها نجاسة البول فيحمل على أي بول كان.
- قياسًا على غير مأكول اللحم وهو نجس بالاتفاق، لم يخالف في ذلك إلا ابن حزم (1).
أما القائلون بالطهارة فاستدلوا بـ:
- أن الأصل الطهارة حتى يثبت الدليل الناقل عن هذا الأصل، ولم يرد ما ينقل عنه، بل قد ورد ما يؤيده وهو ما رواه البخاري في صحيحه (2) من حديث أنس رضي الله عنه قال:"قدم أناس من عكل - أو عرينة - فاجتَوَوُا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها. . ."، فقالوا: لو كانت نجسة لما جاز شربها.
واعترض عليهم: بأن ذلك كان لأجل التداوي.
وأجيب عليه: بأنه لو كان ذلك لأمرهم بغسل أفواههم.
(1) المجموع (2/ 568).
(2)
(1/ 233 / 400) كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها.
- ترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال من السائل عن الصلاة في مرابض الغنم هل هناك ما يحول بين أبعارها أم لا.
- ترك أهل العلم أبعار الغنم تباع في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديمًا وحديثًا من غير نكير.
واعترض عليه بأن المختلف فيه اختلافًا سائغًا لا إنكار فيه (1).
وعلى أية حال فالمسألة طويلة النزاع والغرض هنا إثبات الاستدلال بالقاعدة على القول بالطهارة.
(1) فتح الباري (1/ 404).