الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"فإن قيل: هذا في التروك مشكل، قلنا: الإشكال إنما هو إذا كان الترك بمعنى العدم، لأنه ليس بفعل، فلا صحة للنية بالمعنى المذكور، لكن الترك هاهنا لكونه مكلفًا به أي مأمورًا به في النهي بمعنى الكف وهو الفعل"(1).
فهو هنا يصرح بأن الترك قد يكون بمعنى العدم وقد يكون بمعنى الكف.
والترك على هذا الرأي يشتمل على نوعين:
النوع الأول:
هو الترك الوجودي وهو الترك الذي كان فيه قصد من التارك وهو ما يطلق عليه الكف.
النوع الثاني:
الترك العدمي وهو الترك الذي لا يكون فيه قصد من التارك بل تركه غفلة عنه.
وعلى ذلك يكون الترك أعم من الكف، فالكف إذن أحد أقسام الترك في هذا الاستعمال.
الاتجاه الثاني: الترك: هو: كف النفس عن إيقاع الفعل:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية أن "التّرك في اصطلاح أكثر الأصوليّين والفقهاء: كفّ النّفس عن الإيقاع"(2).
(1) جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (3/ 296): القاضي: عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد، وهو كتاب فارسي، عرّبه: حسن هاني فحص، ط. الأولى (1421 هـ - 2000 م)، دار الكتب العلمية.
(2)
الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 198)، ط. الثانية (1408 هـ)، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، ويرى الباحث أن هذا الإطلاق فيه نظر: فمحرر هذه المادة من الموسوعة =
وعرفه ابن فورك (1) بأنه: "الحكم الحاصل لمن يصح منه حصول ضده بدلاً منه"(2) فقوله حصول ضده بدلاً منه معناه: لمن يقدر على فعل الضد، وهذا التعريف بمجرده موافق لما ذكره أصحاب الاتجاه الأول لولا ما ذكره بعد ذلك من أنه من قبيل ما يكتسبه العباد.
وعرفه الأنصاري (3) بقوله: "الترك في اصطلاح الأصوليين: عبارة عن موجود كائن مضاد لما يضاده"(4)، فقوله:"موجود كائن" يعني أنه
= لم ينسب ذلك لأحد، إلا أنه يصح القول بأن المراد بالترك هنا الكف، أو الترك المخاطب به العبد والمكلف به، وسيأتي زيادة إيضاح لهذا الأمر.
(1)
هو: الأستاذ محمد بن الحسن بن فورك "بضم الفاء وفتح الراء" الأصبهاني المتكلم صاحب التصانيف في الأصول والعلم، وكان ذا زهد وعبادة وتوسع في الأدب والكلام والوعظ والنحو أقام بالعراق مدة يدرس ثم توجه إلى الري ثم ورد نيسابور فبُنِيَ له بها مدرسة وبلغت مصنفاته قريبًا من عائة تصنيف ثم دعي إلى مدينة غزنة من الهند وجرت له بها مناظرات عظيمة فلما رجع إلى نيسابور سُمَّ في الطريق فمات فنقل إلى نيسابور فدفن بها، وقيل غير ذلك، ولد سنة 330 هـ، وتوفي سنة 406 هـ.
[سير أعلام النبلاء (13/ 130)، الوافي بالوفيات (2/ 254)، شذرات الذهب (5/ 42)].
(2)
الحدود لابن فورك (ص 85)[(الحدود والمواضعات)، تأليف: أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك الإصبهاني، قرأه وقدَّم له وعلق عليه: محمد السليماني، ط. الأولى (1999 م)، دار الغرب الإسلامي - بيروت].
(3)
هو: سليمان بن ناصر بن عمران النيسابوري الشافعي المتكلم تلميذ إمام الحرمين، كان فقيهًا صوفيًا إمامًا في علم الكلام والتفسير، توفي سنة 512 هـ.
[سير أعلام النبلاء (14/ 373)، شذرات الذهب (6/ 56)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 283 / 251)].
(4)
[الغنية في الكلام لأبي القاسم الأنصاري، مخطوط: لوحة 79 ب]، نقلاً من تحقيق =
وجودي، وقوله:"مضاد لما يضاده" أي: يشترط فيه: التعرض للضد وهو معنى الكف.
قال ابن تيمية: "وقد تنازع الناس في الترك، هل هو أمر وجودى أو عدمي؟ والأكثرون على أنه وجودي، وقالت طائفة كأبي هاشم الجبائي: إنه عدمي وإن المأمور يعاقب على مجرد عدم الفعل لا على ترك يقوم بنفسه ويسمون المذمية؛ لأنهم رتبوا الذم على العدم المحض.
والأكثرون يقولون: الترك أمر وجودي فلا يثاب من ترك المحظور إلا على تركِ يقوم بنفسه، وتارك المأمور إنما يعاقب على تركٍ يقوم بنفسه وهو أن يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل فيمتنع، فهذا الامتناع أمر وجودي، ولذلك فهو يشتغل عما أمر به بفعل ضده كما يشتغل عن عبادة الله وحده بعبادهّ غيره فيعاقب على ذلك" (1).
والمراد بالترك هنا ليس مجرد الترك، بل المراد به الترك الذي يقع التكليف به، ويؤيد ذلك عدة أمور:
- قوله في تعليل وجه القول بأنه وجودي: "فلا يثاب من ترك المحظور إلا على ترك يقوم بنفسه، وتارك المأمور إنما يعاقب على ترك يقوم بنفسه".
= الحدود لابن فورك (ص 85)، ولم أتمكن من الاطلاع عليه.
(1)
مجموع الفتاوى (14/ 215)، لشيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت/ 728 هـ)، اعتنى بها: مروان كجك، ط. الأولى (1416 هـ - 1995 م)، دار الكلمة الطيبة.