الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو مذهب الشافعي".
الثاني: تقديم العادة على التمييز.
قال ابن قدامة: "ظاهر كلام أحمد وقول أكثر الأصحاب"(1).
وقال النووي: "وهو قول ابن خيران والاصطخري ومذهب أبي حنيفة وأحمد"(2).
وقد استدل أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها عن كونها مميزة أو لا، فدل ذلك على أن هذا الحكم عام فيها" (3).
الثالث: إن أمكن الجمع بين العادة والتمييز حيضناها الجميع عملًا بالدليلين، وإن لم يمكن سقطا وكانت مبتدأة، قال النووي:"وهو ضعيف".
والذي يختاره الباحث من ذلك هو القول الثاني عملًا بالقاعدة.
المطلب الثالث: هل تجب كفارة الجماع في نهار رمضان على الناسي ومن لم ينزل وعلى المرأة
؟
ما ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلكت، قال:"ما لك؟ "، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل تجد رقبة تعتقها؟ "، قال: لا، قال:"فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ "، قال: لا،
(1) المغني (1/ 400).
(2)
المجموع (2/ 456).
(3)
الجوهر النقي (1/ 323)[مطبوع بحاشية السنن الكبرى للبيهقي]، والمجموع (2/ 456).
قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ "، قال: لا، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيها تمر - والعرق: المكتل -، قال:"أين السائل؟ "، فقال: أنا، قال:"خذ هذا فتصدق به"، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرّتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال:"أطعمه أهلك"(1).
في هذا الحديث ثلاثة مسائل:
الأولى: هل تجب الكفارة على من لم ينزل؟
الثانية: هل تجب الكفارة على الناسي؟
الثالثة: هل تجب الكفارة على المرأة التي جومعت؟
* أما الأولى:
فقد ذهب عامة أهل العلم إلى أن الكفارة تجب على من جامع سواء أنزل أو لم ينزل (2).
وعلل ابن قدامة مذهب عامة أهل العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاستفصال من الأعرابي عن الإنزال فيعم الحالتين (3).
(1) رواه البخاري (4/ 193 / 1936) كتاب الصوم، باب إذا جامع في نهار رمضان، ولم يكن له شيء فتُصدق عليه فليكفر، ومسلم (2/ 781 - 782/ 1111) كتاب الصيام، باب تغليظ الجماع في نهار رمضان على الصائم.
(2)
المغني (4/ 372)، شرح مختصر الخرقي للزركشي (2/ 591).
(3)
الكافي (1/ 440).
* أما الثانية:
فقد اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان ناسيًا على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الناسي كالعامد يجب عليه القضاء والكفارة.
وقال به: عطاء (1)، وابن الماجشون (2)، ونص عليه أحمد وهو ظاهر مذهب الحنابلة (3)، واختيار ابن قدامة (4)، ونسبه ابن حجر للمالكية (5).
والدليل على ذلك: أن ترك استفصال النبي صلى الله عليه وسلم من الأعرابي عن جِمَاعه هل كان عن عمد أو نسيان دليل على وجوب الكفارة على العامد والناسي، إذ لو افترق الحال لسأل واستفصل، فترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول.
أما قول الرجل: "هلكت" فيدل على أنه يعلم أن النسيان هنا لا يؤثر (6).
(1) قد اختلف في النقل عن عطاء فذكر ابن قدامه في المغنى أن هذا قوله وذكر النووي في المجموع أن قول عطاء القضاء دون الكفارة [المغنى (4/ 374)، المجموع (6/ 352)].
(2)
هو: العلامة الفقيه مفتي المدينة أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بن الماجشون التيمي مولاهم المدني المالكي، تلميذ الإمام مالك، قال ابن عبد البر عنه: دارت عليه الفتيا في زمانه، توفي سنة 213 هـ وقيل 214 هـ.
[سير أعلام النبلاء (9/ 97)، وفيات الأعيان (3/ 166 / 377)، الديباج الذهب (251/ 325)].
(3)
شرح مختصر الخرقي للزركشي (2/ 592).
(4)
المغنى (4/ 374).
(5)
فتح الباري (4/ 195)، المجموع (6/ 352)، شرح صحيح مسلم للنووي (7/ 225).
(6)
شرح مختصر الخرقي (2/ 592).
القول الثاني: أن الناسي عليه القضاء دون الكفارة.
وقال به: الأوزاعى والليث وربيعة ومالك، ورواية عن أحمد (1).
ودليلهم على ذلك: قول الأعرابي في رواية: "احترقت"، وفي رواية أخرى:"ما أراني إلا هلكت" دليل على أنه كان عامدًا؛ لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك.
وأنه يبعد جدًّا أن يجامع في نهار رمضان ناسيًا.
وأن الكفارة لمحو الإثم وهو مرفوع عن الناسي.
وأجاب أصحاب القول الأول: بأنه يجوز أن يخبر عن هلكته فيما يعتقده من الجماع مع النسيان من إفساد الصوم (2).
القول الثالث: لا قضاء عليه ولا كفارة.
وهو قول الحسن ومجاهد والثوري وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق وأبي ثور وداود وابن المنذر، ورواية عن أحمد رواها عنه أحمد بن القاسم ومال إليها أبو الخطاب من الحنابلة (3).
(1) المغنى (4/ 374)، المجموع (6/ 352)، وتهذيب المدونة (1/ 360)، فتح الباري (4/ 195)، شرح صحيح مسلم للنووي (7/ 225)، الزركشي شرح مختصر الخرقي (2/ 592).
(2)
المغني (4/ 179).
(3)
المغنى (4/ 374)، المجموع (6/ 352)، المبسوط (3/ 155)، الزركشى شرح مختصر الخرقى (2/ 592)، فتح الباري (4/ 195) شرح صحيح مسلم (7/ 225).
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"(1) والجماع في معنى الأكل والشرب.
2 -
عموم حديث: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(2).
3 -
قول الأعرابي في الحديث: "هلكت" وفي رواية: "احترقت، يدل على أنه كان عامدًا؛ لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك.
والذي يراه الباحث هنا أن الترجيح متردد بين الأول والثالث، والأولى بالقبول هو القول الثالث إذ أن التنصيص على الأكل والشرب هنا قد خرج مخرج الغالب إذ لو فعل ما يفسد الصوم غير أكل والشرب - المنصوص عليهما - والجماع - المختلف فيه، ناسيًا لما فسد صومه فيكون المراد: من فَعل ما يبطل الصوم ناسيًا كونه صائمًا.
ويؤيد ذلك:
الحديث السابق: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان"، وقول الأعرابي:"هلكت" فيه إشارة إلى نفي احتمال النسيان.
(1) رواه البخاري (4/ 183 - 184/ 1933) كتاب الصوم، باب الصائم إذأ أكل أو شرب ناسيًا، ومسلم (2/ 809 / 1155) كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، واللفظ لمسلم.
(2)
رواه ابن ماجه (1/ 659 / 2045)، وصححه الألباني في الإرواء (1/ 123 - 124/ 82).
* أما الثالثة: وهي هل يجب على المرأة كفارة إذا جومعت في نهار رمضان (1).
فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: عليها كفارة.
وهو قول أبي حنيفة ومالك وأبي ثور وابن المنذر وقول للشافعي ورواية عن أحمد واختيار أبي بكر (2) من الحنابلة (3).
ودليلهم على ذلك:
أنها هتكت صوم رمضان بالجماع فكان عليها الكفارة كالرجل لحديث الأعرابي.
القول الثاني: ليس عليها كفارة.
وهو قول الحسن والأوزاعي وأصح قولي الشافعي ورواية عن أحمد (4).
ودليلهم على ذلك:
(1) وذلك إذا كانت مختارة أما إذا أكرهت فلا شيء عليها، وعند مالك: على الزوج كفارتان.
(2)
هو: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد البغدادي الفقيه، المعروف بـ (غلام الخلال)، شيخ الحنابلة، ولد سنة (285 هـ)، وكان كبير الشأن من بحور العلم، توفي سنة (363 هـ) وله مصنفات منها (المقنع)، و (الشافي)، و (زاد المسافر)، وغير ذلك.
[سير أعلام النبلاء (12/ 279)، تاريخ بغداد (12/ 229)، شذرات الذهب (4/ 335)].
(3)
المغنى (4/ 375)، المجموع (6/ 366)، أحكام القرآن للقرطبي (2/ 288)، فتح الباري (4/ 201)، تهذيب المدونة (1/ 370)، المبسوط (3/ 78).
(4)
المغني (4/ 375)، المجموع (6/ 366)، فتح الباري (4/ 201).
أولًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن حكم المرأة في حديث الأعرابي، مع علمه بوقوع الجماع منها، فدل ذلك على أنه ليس عليها كفارة، فالمقام مقام بيان مع الحاجة، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.
واعترض علي ذلك بأنه يحتمل أن المرأة لم تكن صائمة، أو أن المرأة لم تعترف، واعتراف الزوج لا يوجب عليها الحكم، أو أن بيان الحكم للرجل بيان للمرأة، أو أنه عرف حال المرأة من حال زوجها.
ثانيًا: رواية: "هلكت وأهلكت" دليل على أنه أكرهها فلذلك لم يجب عليها شيء.
وأجيب عن ذلك بأن هذه الزيادة لم تثبت، ولو ثبتت فلا دلالة فيها، إذ قد يكون المعنى: هلكت بأن أوقعت بنفسي كفارة لا أستطيعها، وأهلكت نفسي بالإثم: أو أن المعنى أهلكت من طاوعتني بأن حملتها إثمًا.
القول الثالث: أن عليها كفارة داخلة في كفارة زوجها.
وهو أحد أقوال الشافعي (1).
والذي يميل إليه الباحث أنه ليس عليها كفارة، وهو القول الثاني؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بشيء، والمقام مقام بيان، ولو كان الحكم يختلف باختلاف الأحوال لاستفصل النبي صلى الله عليه وسلم منها، والواقعة ذكرها الراوي على سبيل الاستشهاد، فيبعد أن يقع السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينقله الراوى، فهذا القول أقرب الأقوال لما ذُكر من قواعد.
(1) المجموع (6/ 366).