الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أدلتهم على ذلك:
أولًا: أنه لو ثبت حكمٌ شرعي ولا دليل عليه للزم منه تكليف المحال.
ثانيًا: أن الله لو أمرنا بشيء، ولم يضع عليه دليلًا، لكان ذلك تكليف ما لا يطاق، وهو غير جائز.
ثالثًا: أن سائر الأصول كانت معدومة، فوجب بقاؤها على العدم، تمسكًا بالاستصحاب.
رابعًا: الأصل في كل ثابت بقاؤه على ما كان، وإنما يجوز العدول عن ذلك الأصل إذا وجد دليل يوجب الرجوع عنه، وذلك الدليل لا يكون إلا نصًا أو إجماعًا أو قياسًا، والحكم الذي ينتج من هذا الدليل ليس من باب تغيير الحكم بل هو من باب إبقاء ما كان على ما كان.
وسبب من ذهب إلى رد الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم على عدم الحكم: أنه يلزم منه خلو الحادثة عن حكم شرعي وهذا باطل مردود (1).
فإذا قيل: إن المراد ليس ارتفاع الحكم بالكلية بمعنى خلو الواقعة عن
= مبحث: الأصل في المتروك.
(1)
أي ويبقى حكم العقل إذ الإباحة عندهم حكم عقلي لأنه موجود قبل ورود الشرع، وقد سبق - في الهوامش - بيان أن هذه الإباحة حكم شرعي دل الشرع عليه فلا يلزم إذن هذا المحظور على هذا التوجيه، إذ ما من حادثة تجد، ولا واقعة تقع، ولا نازلة تكون، إلا ولله فيها حكم شرعي: سواء بالنص أو الاستنباط وهذا معنى قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهو مذهب أهل السنة خلافًا للمعتزلة.
حكم شرعي، وإنما المراد عدم ثبوت حكم على وجه الخصوص فتبقى الواقعة على حكم البراءة الأصلية: ارتفع الخلاف وكان هذا المعنى محل اتفاق، هذا ما ظهر لي وقد بحثت كثيرًا عمن صرح بهذا من الأصوليين إلى أن وجدت تصريحًا به للشيخ محمد بخيت المطيعي في حاشيته على نهاية السول للإسنوي (1).
من المقدمات (2) السابقة يتبين أن:
مذهب الأصوليين هو أن عدم الدليل على الحكم الخاص يلزم منه عدم الحكم الخاص، ويوجب البقاء على البراءة الأصلية واستصحابها حتى يرد من الأدلة ما يقتضي تغيُّرها.
وحيث كان البحث هنا في الترك الذي له دلالة شرعية:
فإنه يسع التقرير أنه:
إذا ترك نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل فعلًا ما له دلالة شرعية فإن الذي يلزمنا من ذلك هو البقاء على الأصل وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا الفعل حتى يرد ما يثبت أنه فعله، فهو إذن دليل (3) على أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هذا
(1) نهاية السول (4/ 396).
(2)
أطلت في الاستدلال على هذه المقدمات وذلك لأن كثيرًا ممن يتكلم في البدع اليوم يستدل بأن عدم النقل لا يستلزم نقل العدم وصار هذا الكلام كالدليل الذي لا يحل نقضه وهذا الكلام وإن كان له وجه من الصحة في غير الشرعيات فليس مكانه هنا على ما فصلت.
(3)
لا يشترط في الدليل أن يورث القطع بل يكفي فيه غلبة الظن، وهو مذهب جمهور الأصوليين كما سبق بيانه.
الفعل فلم يفعله (1).
(1) ولا يزال هنا محل بحث متعلق بهذه المسألة، وهو: هل يكفي النقل العام أم لابد من النقل الخاص؟ وصورة هذه المسألة: أنه إذا قيل إن عدم النقل دليل على نقل العدم، فإن ذلك يقتضي أن ما لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله دليل على أنه لم يفعل، فهذا الذي لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله هل يشترط أن يكون ذلك النقل خاصًا بذلك الفعل، أم يكفي نقل صحابي لفعل نقلًا على سبيل العموم، وتندرج صورة ذلك الفعل على سبيل الخصوص تحته وتكون أحد أفراد ذلك العموم؟
لم أر من تعرض لبحث تلك المسألة بعينها، وإن كان الكلام فيها مبنيًا على مسألة ذكرها الأصوليون وهي:"أن ما يشترط أن يرد الدليل الخاص به إذا لم يرد هل يُصار إلى البراءة الأصلية أم إلى اللفظ العام"، وهي مشهورة عند الأصوليين بتقديم دلالة العام على البراءة الأصلية، فاللفظ العام وإن كانت دلالته على العام ظنية إلا أنها كافية في النقل عن البراءة الأصلية، وهذا مذهب جمهور الأصوليين، ولذا فالذي يظهر لي هنا أن النقل العام كاف في اندراج الصورة محل النزاع تحته، ويكون ذلك النقل العام مخرجًا لها عن البقاء على البراءة الأصلية، وعليه فلا يشترط الدليل الخاص لتلك الصورة ما دامت مندرجة تحت ذلك الأصل العام، والمثال الذي يصح بناؤه على تلك الصورة هو اختلاف الفقهاء في وضع اليد على الصدر عقب الركوع أهو السنة أم الإرسال هو السنة؟
ذهب القائلون بأن الإرسال هو السنة بأن عدم نقل الصحابة لموضع اليدين بعد الركوع - نقلاً خاصًّا - يوجب الرجوع إلى البراءة الأصلية، لأن هذا الفعل لا يقع إلا عبادة فتحتاج إلى الدليل المثبت، وحيث لا دليل هنا فيجب الرجوع إلى الأصل وهو الإرسال، والذي يظهر للباحث هنا: أنه وإن لم يَرد دليل خاص بوضع اليد على الصدر بعد الركوع إلا أن هذا الفعل قد ثبت من خلال اللفظ العام، وعليه فيقال هنا: إن وضع اليد على الصدر لم يرد به دليل خاص فأيهما أولى: البقاء على البراءة الأصلية أم البقاء على دلالة اللفظ العام المغير للبراءة الأصلية؟ مقتضي ما ذهب إليه الأصوليون هو البقاء على دلالة اللفظ العام المغير للبراءة الأصلية، فوضع اليد على الصدر بعد الركوع كافٍ في إثباته الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان =