الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذا وكذا، فثنى رجله واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين ثم سلم، فلما انفتَلَ أقبل علينا بوجهه فقال: "لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به
…
" (1).
أي ما كنت أقتصر على بيان ذلك بفعلي، بل كنت أنبئكم به قولًا، فهذا يدل على أن الوجوب إنما يُستفاد من قوله دون فعله.
ما أجابوا به على أدلة القول الأول:
(1)
الرد على الاستدلال بالكتاب:
* قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]:
قال أبو شامة:
"المراد من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم أن يُجعل إمامًا وقدوةً يُحذا حَذوه ويُسَارُ بسيرته، كقولك: اتَّبعَ المأموم الإمام في الصلاة. إنما هو فَعَلَ فِعْلَهُ
…
فينبغي أن يُحمل قوله: {وَاتَّبِعُوهُ} على الندب لا على الوجوب، لأنَّا لو حملناه على الندب لم يلزمنا الوجوب الذي خصَّصْنَاهُ بأشياء كثيرةٍ ندبيةٍ لا تجب علينا وقد فعلها، ولو حملناه على الندب لم يلزمنا مثل ذلك (2).
(1) رواه البخاري (1/ 600 / 401) كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، ومسلم (1/ 400 / 572) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له.
(2)
ويجاب عن ذلك بأننا لو حملناه على الندب لزمنا أن نبين الأمر القولي في كل فعل قيل بوجوبه، فليس حمله على الندب بأولى من حمله على الوجوب من هذه الجهة.
فالأمر بهذه الجملة أمر ندبٍ وإن كان مشتملًا على واجباتٍ كثيرة، وعلى هذا يُحمل أيضًا قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وأرشد إلى هذا المعنى وقَوّاه قول النبي صلى الله عليه وسلم[فيما يحكيه عن رب العزة]:"ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه"(1)، فقد جعل النوافل مِرْقاةً إلى محبته، وكأنها تفسير الاتباع في قوله:{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} " (2).
الرد على الاستدلال بالسنة:
(2)
قال السرخسي: "لو كان مطلق فعله موجبًا للاتباع لكان ذلك عامًا في جميع أفعاله، ولا وجه للقول بذلك، لأن ذلك يوجب على كل أحد ألا يفارقه آناء الليل وأطراف النهار ليقف على جميع أفعاله فيقتدي به؛ لأنه لا يخلو عن الواجب إلا بذلك، ومعلوم أن هذا مما لا يتحقق ولا يقول به أحد "(3).
(3)
ذكر أبو شامة ردًّا طويلًا ملخصه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتأخذوا مناسككم"(4) وذلك يوم النحر في الحج، واقتدى به الصحابة في أفعاله دون أن يعلموا أن تلك الأفعال أكانت واجبة أم مستحبة، فقوله:"خذوا" أي
(1) رواه البخاري (11/ 348 / 6502) كتاب الرقاق، باب التواضع.
(2)
المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 125 - 130).
(3)
أصول السرخسي (2/ 88).
(4)
رواه مسلم (2/ 943 / 1297) كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا.