الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "توضئوا مما مست النار"(1).
3 -
ما ورد عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضئوا مما مست النار"(2).
ثانيًا: الأحاديث التي وردت أن النبي أكل مما مسته النار ثم صلى ولم يتوضأ:
1 -
ما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ (3).
2 -
ما ورد عن عمرو بن أمية رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فدعى إلى الصلاة فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ (4).
3 -
ما ورد عن ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ (5).
4 -
ما ورد عن بُشَيْر بن يسار مولى بني حارثة أن سُويد بن النعمان
(1) رواه مسلم (1/ 272 - 273/ 352) كتاب الحيض، باب الوضوء مما مست النار.
(2)
رواه مسلم (1/ 273 / 353) كتاب الحيض، باب الوضوء مما مست النار.
(3)
رواه البخاري (1/ 371 / 207) كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، ومسلم (1/ 273 / 354) كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار.
(4)
رواه البخاري (1/ 372 / 208) كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، ومسلم (1/ 274 / 355) كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار.
(5)
رواه البخاري (1/ 373 / 210) كتاب الوضوء، باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ، ومسلم (1/ 274 / 356) كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار.
- رضي الله عنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء - وهي أدنى خيبر - فصلى العصر، ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فُثرِّيَ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ (1).
5 -
ما ورد عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقِناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى ثم انصرف، فأتته بعُلالة من عُلالة الشاة، فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ (2).
6 -
ما ورد عن أبي رافع رضي الله عنه قال: أشهد لقد كنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ (3).
(1) رواه البخاري (1/ 373 / 209) كتاب الوضوء، باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ، وقد ذهب الخطابي إلى أن هذا الحديث ناسخ لحديث الأمر بالوضوء استدلالًا، بأنه كان في غزوة خيبر في سنة سبع والأمر بالوضوء متقدم، ولكن تعقبه ابن حجر بأن الذي روى حديث الأمر بالوضوء أبو هريرة رضي الله عنه وقد حضر بعد غزوة خيبر [فتح الباري (1/ 374)].
(2)
ورواه الترمذي (1/ 116 - 117/ 80) أبواب الطهارة، باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الحديث (1/ 117)، وكذلك صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/ 61)، وله رواية أخرى عند أبي داود (1/ 48 / 191) كتاب الطهارة، باب في الوضوء مما مست النار: عن جابر رضي الله عنه قال: "قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزًا ولحمًا فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به ثم صلى الظهر ثم دعا بفضل طعام ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ"، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 346 / 186).
(3)
رواه مسلم (1/ 274 / 357) كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار.
ولذلك وقع الخلاف بين أهل العلم في توجيه هذه الأحاديث، فالبعض رأى النسخ، والبعض رأى الجمع بينها.
والذين رأوا النسخ وهم الأكثر اختلفوا أيهما نسخ الآخر؟
هل الأمر بالوضوء هو الناسخ لترك الوضوء، أم ترك الوضوء هو الناسخ للأمر بالوضوء؟ وأهل العلم في ذلك كله على ثلاثة مذاهب:
الأول:
من قال بأن ترك الوضوء مما مست النار هو الناسخ للأمر بالوضوء، وهو قول جمهور أهل العلم وأكثر، وهو محكى عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين، وبه قال جمهور التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه (1).
واستدلو بـ:
- الأحاديث الواردة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما مسته النار ولم يتوضأ، لا سيما أن من رواة هذه الأحاديث ابن عباس رضي الله عنها ومعلوم أن سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم كان متأخرًا، كما ذكر ذلك ابن عبد البر (2).
(1) قال الترمذي في السنن (1/ 119): والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار. اهـ.
(2)
التمهيد (2/ 123).
- ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار"(1).
- ما ورد عن أبي سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها أنه سأله عن الوضوء مما مسست النار فقال: لا، قد كنا زمان النبي صلى الله عليه وسلم لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلًا، فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ (2).
- حمل حديث الأمر بالوضوء على أن المقصود به المضمضة وغسل اليدين تقديمًا للحقيقة اللغوية وأن الوضوء هنا مشتق من الوضاءة وهي النظافة (3).
واستدل ابن قدامة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الوضوء من لحم الغنم قال: "لا تتوضأ"(4).
وهو ما ورد عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ"، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: " نعم، فتوضأ من لحوم الإبل"، قال:
(1) رواه النسائي (1/ 108) كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء مما مست النار، وأبو داود (1/ 48 / 192) كتاب الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار، وصحح الألباني إسناده في صحيح سنن أبي داود (1/ 348 / 187).
(2)
رواه البخاري (9/ 492 / 5457) كتاب الأطعمة، باب المنديل.
(3)
قال النووي: أما حمل الوضوء على اللغوي فضعيف لأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي كما هو معروف في كتب الأصول [المجموع (2/ 69)].
وكذلك رده ابن عبد البر واتهم قائله بقلة العلم [التمهيد (2/ 115)].
(4)
المغنى (1/ 255).
أصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم"، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا"(1).
الثاني:
أنه يجب الوضوء مما مست النار حكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة: منهم ابن عمر وأبو طلحة وأبو موسى وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وأبي قلابة (2) وأبي مجلز (3)(4).
واستدلوا بـ:
الأحاديث الواردة في الأمر بالوضوء مما مست النار، وقالوا بأنها ناسخة لأحاديث إباحة ترك الوضوء، وقالوا: إن الإباحة سابقة.
وردوا على الاستدلال بحديث جابر رضي الله عنه: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" بأن المراد بالأمر هنا الشأن
(1) رواه مسلم (1/ 275 / 360) كتاب الحيض، باب الوضوء من لحم الإبل.
(2)
هو: شيخ الإسلام عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر بن ناتل بن مالك، أبو قلابة الجَرْمي البصري، من سادات التابعين، وطُلِب للقضاء فهرب ونزل الشام، وكان كثير الإرسال في حديثه، توفي سنة 104 هـ.
[سير أعلام النبلاء (5/ 389)، شذرات الذهب (2/ 23)].
(3)
هو: لاحق بن حُميد بن سعيد السدوسي، أبو مجلز البصري، وهو أحد علماء البصرة، ولقي بعض الصحابة كأبي موسى، وابن عباس رضي الله عنها، توفي سنة 106 هـ، وقيل غير ذلك.
[تهذيب الكمال (31/ 176)، شذرات الذهب (2/ 41)].
(4)
راجع في ذلك التمهيد لابن عبد البر (2/ 115)، والمجموع للنووي (2/ 66).
والقصة، لا مقابل النهي، وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة (1).
ولكن أجاب أصحاب القول الأول بأمور منها:
ما قاله النووي: "وأما دعواهم نسخ أحاديث ترك الوضوء فهي دعوى بلا دليل فلا تقبل"(2) اهـ.
وبأن تأويلهم حديث جابر رضي الله عنه خلاف الظاهر وهو تأويل بغير دليل فلا يقبل، وهذه الرواية المذكورة لا تخالف كونه آخر الأمرين، فلعل هذه القضية هي آخر الأمرين، واستمر العمل بعدها على ترك الوضوء، ويجوز أيضًا أن يكون ترك الوضوء قبلها، فإنه ليس فيها أن الوضوء كان لسبب الأكل (3).
الثالث:
استحباب الوضوء وهو قول من جمع بين الأحاديث والذي ذهب لذلك هو الإمام الخطابي (4)(5).
(1) فتح الباري (1/ 372).
(2)
المجموع (2/ 68).
(3)
المجموع (2/ 68).
(4)
نقله عنه ابن حجر في فتح الباري (1/ 372).
(5)
هو: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي اللغوي المحدث =
القول المختار من ذلك:
إعمال ما قرره الأصوليون من أن الجمع مقدم على الترجيح يقضي بأن أولى هذه الأقوال بالترجيح هو الاستحباب، وهو ما ذهب إليه الخطابي.
ولكن:
لم أجد أحدًا - في حدود بحثي - غير الإمام الخطابي - سواء من الصحابة أو غيرهم - قال بهذا القول، والصحابة رضي الله عنه لا سيما الخلفاء الراشدون - وهم أعلم الخلق بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين رُوي عنهم ترك الوضوء، فعن سليم بن عامر قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا، ورأيت عمار بن ياسر يشرب من لبن نعجة فمضمض، ثم قام إلى الصلاة، وسمعت عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول: جف القلم بما هو كائن (1).
وهم كذلك الذين رووا أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار كما مر في حديث جابر رضي الله عنه.
وعلى ذلك فالقول الراجح هو قول من قال بأن أحاديث الترك ناسخة
= الفقيه، ولد سنة بضع عشرة وثلاثمائة، توفي سنة 388 هـ، وله العديد من المصنفات مثل "شرح الأسماء الحسنى"، "الغنية عن الكلام وأهله"، "معالم السنن في شرح أبي داود"، "غريب الحديث"، "العزلة".
[سير أعلام النبلاء (13/ 3)، شذرات الذهب (4/ 471)، تذكرة الحفاظ (3/ 1018 / 950)].
(1)
رواه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 281 / 2262)، وقال ابن حجر في الفتح (1/ 372): إسناده حسن.