الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معصوم، فيجوز والحالة كذلك رميهم وإن أدى ذلك إلى قتل المسلمين الأسارى عندهم.
وبالنظر إلى هذه الشروط الثلاثة السابقة التي ذكرها الغزالي نجد أنه بذلك يحصر نطاق المصلحة المرسلة في إطار ضيق، بل لا أبالغ إذا قلت إنها بما ذكره من شروط خرجت عن كونها مرسلة، وهي أقرب - من خلال ما ذكره من مثال - إلى تدافع المفاسد.
أما الشاطبي فقد اشترط أن تكون ملائمةً لمقصود الشارع، معقولةً في ذاتها، حقيقيةً لا وهمية، راجعة إلى رفع الحرج
(1).
فمعنى كونها ملائمة لمقصود الشارع: أن لا تنافي أصلًا من أصوله ولا دليلًا من دلائله، ومعنى كونها معقولة في ذاتها: أن تكون جارية على الأوصاف المناسبة التي لو عرضت على أهل العقول السليمة لتلقوها بالقبول، ومعنى كونها حقيقية: أن يتحقق عند المجتهد أن بناء الحكم عليها يجلب النفع ويدفع الضرر، ومعنى كونها راجعة إلى رفع الحرج: أن تكون المصلحة مؤدية إلى التخفيف والتيسير على الناس.
وبناء على ما سبق فإن المصلحة المرسلة هي المصلحة التي بقيت على أصل الإباحة ولكن كان في إلزام الناس بها إلزامًا عامًا تعديًا على أصل ثابت أو حق معتبر وهذا النوع للعلماء فيه مذاهب:
(1) الاعتصام (2/ 377).
الأول: القبول مطلقًا، وهذا ضعيف.
والثاني: الرد مطلقًا، وهو مذهب الكثيرين.
والثالث: القبول بشروط، وقد سبق تفصيل تلك الشروط.
والذي يختاره الباحث أنه إذا وُجِدت مصلحة بهذه الشروط التي ذكرها الشاطبي، جاز إلزام الناس بها، وإن كان في إلزام الناس تعد على أصل ثابت، لكن لا تقوم المصلحة إلا بالتعدي على ذلك الأصل.
ومثال ذلك: تضمين الصناع (1): فإن فيه تعدٍّ على أصل ثابت، وهو أن الصانع لا يضمن إلا بالتفريط، فإذا كان غير مفرط فإنه لا يضمن، فالقول بتضمينه على كل وجه تعدٍّ على ذلك الأصل، لكن لما كان تضمين الصناع مستوفٍ لتلك الشروط جاز القول به رغم تعديه على ذلك الأصل.
وأيضًا: جمع الناس على قراءة واحدة ومنع القراءة من المصاحف الأخرى، والأمر بإحراقها (2): فيه تعد على أصلٍ ثابت، وهو أن الإنسان حر في ملكه
(1) ساق البيهقي في السنن الكبرى (6/ 122) بسنده عن الشافعي قال: "قد ذهب إلى تضمين القصار شريح فضمَّن قصارًا قد احترق بيته فقال: تضمنني وقد احترق بيتي؟ فقال شريح: أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرك؟!
قال الشافعي: "وقد روي من وجه لا يُثبت أهل الحديث مثله أن عليًّا ضمَّن الغسال والصباغ وقال: لا يصلح الناس إلا ذلك، قال: ويروى عن عمر تضمين الصناع من وجه أضعف من هذا، ولم نعلم واحدًا منهما يثبت"، وشريح ولي القضاء في زمن عمر رضي الله عنه، ومع ذلك فقد اختلف الفقهاء في تضمين الصناع فذهب بعضهم إلى أنه يضمن، وذهب آخرون إلى أنه لا يضمن عملًا بالأصل.
(2)
رواه البخاري (8/ 627 / 4987) كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن.