الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبذلك فإن الإقرار ليس على مرتبة واحدة، بل هو على مراتب: أعلاها أن يكون الفعل في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ويليها: أن يكون الفعل في غيبته وينقل لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم به، ويليها: أن يكون الفعل في غيبته صلى الله عليه وسلم لكن لا ينقل إلينا أنه علمه، ولكل مرتبة من تلك المراتب حكمها، وسوف يتبين هذا من خلال ما سيأتي من مطالب.
المطلب الثاني: حجية الإقرار:
الإقرار - من حيث الجملة - حجة شرعية، فهو يدل على إذن النبي صلى الله عليه وسلم في الفعل للشخص الذي أقره عليه، وعلى هذا اتفاق الأصوليين، وقد نقل هذا الاتفاق أكثر من واحد، فمن ذلك قول الجويني:"اتفق الأصوليون على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرر إنسانًا على فعل فتقريره إياه يدل على أنه غير محظور"(1)، وكذلك أيضًا قال ابن حجر:"اتفقوا على أن تقريره صلى الله عليه وسلم لما يفعل بحضرته أو يقال ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز"(2)، وكذلك ما قاله القاضي عياض (3): "من جوز الصغائر، ومن نفاها عن نبينا صلى الله عليه وسلم مجمعون أنه لا يقر
(1) التلخيص في أصول الفقه (2/ 246 / 915) لأبي المعالي الجويني، تحقيق: د. عبد الله جولم النيبالي، شبير أحمد العمري، ط. الثانية (1428 هـ - 2007 م)، دار البشائر الإسلامية.
(2)
فتح الباري (13/ 335).
(3)
هو: شيخ الإسلام العلامة الحافظ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي الأندلسي ثم السَّبتي المالكي، ولد سنة (476 هـ) وكان إمام الحديث في وقته وأعرف الناس بعلومه وبالنحو واللغة العربية وكلام العرب وأنسابهم، توفي سنة (544 هـ). =
على منكر من قول أو فعل، وأنه متى رأى شيئًا فسكت عنه دل على جوازه" (1)، ونقل الشوكاني عن القشيري (2) الإجماع على أن التقرير لا خلاف في حجيته (3).
ومحل هذا الاتفاق في حق الشخص الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن: هل يتعدى ذلك الحكم إلى غير الشخص المقرَّ؟ أم تنحصر دلالة إقراره صلى الله عليه وسلم على الجواز في حق مرتكب الفعل فقط؟
جمهور الأصوليين على أن الحكم يتعدى إلى سائر المكلفين (4)، خلافًا لما ذهب إليه ابن الباقلاني (5) من قصر الحكم على الشخص المقرَّ فقط.
= من مصنفاته (الشفا بتعريف حقوق المصطفى)، (الإكمال في شرح صحيح مسلم)، وكتاب (مشارق الأنوار) في غريب الحديث، وغيرها.
[سير أعلام النبلاء (15/ 37)، وفيات الأعيان (3/ 483 / 511)، شذرات الذهب [6/ 226].
(1)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 146) لأبي الفضل القاضي عياض اليحصبي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
(2)
هو: أبو نصر عبد الرحيم ابن الإمام شيخ الصوفية أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري الشافعي، النحوي المتكلم، المفسر، وهو من تلاميذ أبي المعالي الجويني، توفي سنة 514 هـ، من مصنفاته "كتاب الموضح" في الفقه.
[سير أعلام النبلاء (14/ 380)، وفيات الأعيان (3/ 207) ذكره تحت ترجمة والده (أبو القاسم القشيري)، طبقات الشافعية لابن السبكي (7/ 159 / 870)].
(3)
إرشاد الفحول (1/ 221).
(4)
التحبير شرح التحرير (3/ 1493)، البحر المحيط (4/ 201)، تشنيف المسامع (2/ 902)، شرح الكوكب المنير (2/ 194)، إرشاد الفحول (1/ 221).
(5)
نقله عنه الزركشي في البحر المحيط (4/ 201).
واستدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بأدلة كثيرة منها: أن الأمة في أحكام الشرع سواء، فالأصل أن ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لرجل مباح لكل الأمة، وما حرمه على أحد فهو محرم على عموم الأمة، إلا أن يأتي الدليل على خلاف ذلك، فيكون مخصصًا لذلك الأصل، بل نقل العلائي (1) إجماع الأصوليين على أن الحظر إذا ارتفع في حق واحد ارتفع في حق الكل (2)، وهذا دليل على أن الأمة كلها في الأحكام سواء، ويستدل الأصوليون على ذلك بما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"حكمي على واحد حكمي على الجماعة"(3) لكن هذا الحديث لا يصح، ويغني عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"(4).
(1) هو: صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الشافعي، ولد بدمشق سنة 694 هـ، بلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة، وأخذ علم الحديث عن المزي وغيره، قال السبكي: كان حافظًا ثبتًا تقةً عارفًا بأسماء الرجال والعلل والمتون فقيهًا متكلمًا أديبًا شاعرًا متفننًا أشعريًّا، توفي بالقدس في المحرم سنة 761 هـ.
[شذرات الذهب (8/ 328)، البدر الطالع (1/ 167 / 165)، الدرر الكامنة (2/ 90)].
(2)
تفصيل الإجمال للعلائي (2/ 153) مطبوع مع مجموع رسائل العلائي: صلاح الدين خليل بن كيكلدى بن عبد الله العلائي، تحقيق: وائل محمد بكر زهران، نشر دار الفاروق الحديثة للطباعة - القاهرة، ط. الأولى (1429 هـ - 2009 م للمجلد الأول، 1430 هـ - 2009 م للمجلد الثاني).
(3)
قال العجلوني في كشف الخفاء (1/ 364 / 1161): ليس له أصل بهذا اللفظ [كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني، مكتبة القدسي، ط. (1351 هـ)].
(4)
رواه الترمذي (4/ 129 / 1597) كتاب السير، باب ما جاء في بيعة النساء، والنسائي =