الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو إلى ما يُتَّجَه إليه من آراء فيها. وهذه الأمثلة تبرز في جملة من المسائل العامة والمسائل الفقهية. وكان طريقه إليها الاستقراء.
الاستدلال:
ومما يعتمده الخطاب الشرعي الاستدلال. ومعناه لغة: طلب الدليل، وهو يُطلق عند الأصوليين أولاً على إقامة الدليل مطلقاً من نص أو إجماع أو غيرهما، وثانياً على نوع خاص منه، وهو ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس. والأصح في تعريف هذا النوع الثاني من الدليل أنه: ما يستلزم الحُكم ويُقضى به. وهو وجود السبب الخاص أو وجود المانع أو عدم الشرط المخصوص. وقد اختلفوا فيه لأنه إما عبارة عن التلازم بين الحكمين من غير تعيين علّة وإلا فهو قياس، وإما استصحاب الحال، وإما شرع مَن قبلنا. واعتبر الحنفية من ذلك الاستحسان، وأطلقه المالكية على المصالح المرسلة. وقيل هو انقضاء الحكم لانتفاء مدركه. وقال البزدوي في تعريفه: الاستدلال هو انتقال الذهن من الأثر إلى المؤثر ويحتمل العكس، وقيل مطلقاً.
وبجانب هذا الموضوع الواسع الدقيق الذي نجد إفاضة القول فيه وتفصيلَه في مظانه، تتعين هنا الإشارة إلى مسألة أخرى لها أهميتها في استخدام النصوص الشرعية والاستنباط منها. ذلك أن دلالة اللفظ على معناه تتنوع إلى دلالة مطابقة ودلالة تَضَمُّن ودلالة التزام.
والاستدلال يكون بعبارة النص، وبإشارته، وبدلالة النص وباقتضائه (1).
(1) التهانوي. كشاف اصطلاحات الفنون: 496 - 498.
وعبارة النص هي دلالة اللفظ على المعنى، أو الحكم المقصود من سوقه أو تشريعه أصالة أو تبعاً. ويعرف قصد المشرع أو المتكلم بالقرائن الخارجية، أو من سياق النص نفسه، أو من سبب النزول. وتشمل عبارة النص أنواعَ النصوص الواضحة جميعها من ظاهر ونص ومفسر ومُحكم كما قدمنا. كما تشمل أيضاً المعنى اللازم الذاتي المتأخر. ولعل من الأوضح أن نعرّف عبارة النصّ بدلالة اللفظ على المعنى الموضوع له أو على جزئه، أو على لازمه الذاتي المتأخر، مع قصد الشارع أو المتكلم هذا المعنى وسوقه الكلام لأجله (1).
وإشارة النص هي دلالة اللفظ على معنى أو حكم غير مقصود للشارع، لا أصالة ولا تبعاً، لكنه لازم عقلي ذاتي متأخر للمعنى الذي سيق أو شُرع النص من أجله (2).
ودلالة النص هي أن يُفهِم نفسُ اللفظ ثبوتَ حكم الواقعة المنطوق بها لواقعة أخرى غير مذكورة لاشتراكهما في معنى، يدرك العالِم باللغة أنه العلّة التي استوجبت ذلك الحكم. وفرق أساسي بين هذه العلّة في دلالة النصّ، والعلّة التي يرتبط بها القياس. فالعلّة الأولى بيّنة واضحة تفهم من اللغة، يستوي في إدراكها المجتهد وغيره من أهل العلم باللغة، أما العلّة في القياس فهي تحتاج إلى الاجتهاد بالرأي لخفائها. ولا بد من التزام مسالك العلّة المقررة في منهج القياس في استنباطها (3).
والاقتضاء عند الأصوليين هو دلالة اللفظ على معنى مقدّر لازم
(1) خلّاف. علم أصول الفقه: 144.
(2)
الدريني. المناهج الأصولية: 229.
(3)
الدريني. المناهج الأصولية: 251.
للمعنى المنطوق متقدمٍ عليه، مقصودٍ للمتكلم، يتوقّف على تقديره صدق الكلام أو صحّته عقلاً أو شرعاً. والعناصر التكوينية لدلالة الاقتضاء ثلاثة: هي النص أو الكلام الذي يستلزم معنى مقدراً ومقدماً على المعنى المعياري المنطوق. وهو المعروف بالمقتضي، والمقتضى وهو المعنى الضروري المقدّر مقدّماً الذي يطلبه الكلام لتصحيحه. والاقتضاء هو استدعاء المعنى المنطوق نفسِه لذلك المقدّر لحاجة إليه (1).
والاقتضاء عند البزدوي: دلالة الكلام على معنى هو لازم متقدم، توقّف على تقديره صحته شرعاً (2)، والتعريف الأول أوسع من المتأخر.
ويضاف إلى هذين الطريقين (الاقتضاء ودلالة الكلام) من الاستدلال ما نص عليه الأصوليون من الأدلة المقبولة. وهى ستة:
° الأول: أن الأصل في المنافع الإباحة.
° الثاني: أن الباقي راجح على عدمه، وإذا كان راجحاً وجب العمل به اتفاقاً.
° الثالث: الاستقراء.
° الرابع: الأخذ بأقل ما قيل. واعتمده الشافعي في إثبات الحكم إذا كان الأقل جزءاً من الأكثر.
° الخامس: المناسب المرسل إن كانت المصلحة ضروريّة قطعيّة كليّة اعتبر، وإلا فلا. وقال مالك باعتباره مطلقاً؛ لأن اعتبار المصالح يوجب ظن اعتباره.
(1) الدريني. المناهج الأصولية: 226 - 278.
(2)
كشف الأسرار: 1/ 57.