الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعله". والحق أنه لا يجب على الله تعالى فعل أيّ شيء. فإن فعلَ الشيءِ يكون لغرضٍ، ولا كذلك فعله سبحانه. وفصّل المتكلمون القول في هذا وذكروا: أن الغرض إمّا أن يكون راجعاً لله تعالى وهو باطل لتنزهّه عن ذلك، وإمّا أن يكون راجعاً إلى العبد المكلف في الدنيا أو في الآخرة. فأمّا في الدنيا فهو مشقة بلا خطر، وأمّا في الآخرة فإمّا أن يكون الغرض إضرار المطيع، وهو قبيح من الجواد الكريم، فوق أنه باطل بالإجماع، وإمّا أن يكون الغرض نفعَه، وهو المطلوب. فإن إيصال ذلك النفعِ حينئذٍ واجب لئلا يلزم نقض الغرض (1).
رد الجويني على الأشاعرة:
وأبطل إمام الحرمين ما ذهب إليه منكرو التعليل. وقال: نحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي جرت فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتُهم، تزيد على المنصوصات زيادة لا يحصرها عدّ، ولا يحويها حدّ. فإنهم كانوا قايسين في قريب من مائة سنة، والوقائع تترى، والنفوس إلى البحث طُلعة، وما سكتوا عن واقعة صائرين إلى أنه لا نصّ فيها، والآيات والأخبار المشتملة على الأحكام نصاً وظاهراً، بالإضافة إلى الأقضية والفتاوى كغَرفة من بحر لا تنزفه. وعلى قطعٍ نعلم أنهم ما كانوا يحكمون بكل ما يعِنّ لهم، في غير ضبط ولا ربط، وملاحظةِ قواعدَ متَّبعةٍ عندهم. وقد تواتر من شيمهم أنهم كانوا يطلبون حكم الواقعة من كتاب الله، فإن لم يُصادفوه فتَّشوا في سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوها اشتوَرُوا، ورجعوا إلى الرأي.
(1) ابن أبي شريف. المسامرة شرح المسايرة: 162 - 163.
ويمضي الجويني في الرد على مقالة الأشاعرة بقوله: والذي يوضح ما ذكرناه أنهم مع اختلاف مذاهبهم، في مواقع الظنون، ومواضع التحرّي، ما كانوا ينكرون أصل الاجتهاد والرأي، وإنّما كان بعضهم يعترض على بعض ويدعوه إلى ما يراه هو. ولو كان الاجتهاد حائداً عن مسالك الشريعة لأنكره منهم منكر. وإذا لاح المعنى فترديد العبارات عنه هيِّن (1).
وبيّن الإمام الأكبر محل النزاع في هذا الموضوع قائلاً: ويترجّح عندي أن هاته المسألة اقتضاها طرد الأصول في المناظرة. فإن الأشاعرة لما أنكروا وجوب فعل الصلاح والأصلح أورد عليهم المعتزلة أو قدّروا هم في أنفسهم أن يورد عليهم أن الله تعالى لا يفعل شيئاً إلا لغرض وحكمة. ولا تكون الأغراض إلا لمصالح، فالتزموا بأن أفعال الله تعالى لا تناط بالأغراض ولا يعبّر عنها بالعلل (2). وينبئ عن هذا أنهم لما ذكروا هذه المسألة ذكروا في أدلتهم الإحسان للغير ورعي المصلحة وهناك سبب آخر لفرض المسألة وهو التنزه عن وصف أفعال الله تعالى بما يوهم المنفعة له أو لغيره وكلاهما باطل لأنه لا ينتفع بأفعاله، ولأن الغير قد لا يكون فعل الله بالنسبة إليه منفعة.
وزاد ابن أبي الشريف بياناً لموقف الأشاعرة وَرَدَّ عليه بقوله: إنا لا نزال نسائلهم عن معنى قولهم (المعتزلة): إنه وجب لفائدة الخلق، ويطلق عليه عندنا أنه تعليل، وأن الحكم المعلل هو الوجوب. ونحن نطالبهم بتفهيم الحكم وبيانه.
(1) البرهان: 2/ 499 - 500، ف 711 - 712.
(2)
التحرير والتنوير: 1/ 380 - 381.