الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العوض على قول، واقتصر القول المشهور على حصرها في الهبة.
وتنقسم التبرّعات إلى قسمين متفاوتين أثراً وأهمية. فالأول منها هو مطلق العطايا مثل الصدقات اليومية والعطايا الموسمية والنفقات والقربات، والثاني هو العطايا الأخرى التي قصد منها التمليك والإغناء وإقامة المصالح الكائنة في الغالب بأموال يتنافس في مثلها المتنافسون ويتشاكس في الاختصاص بها المتشاكسون.
فمن القسم الأول الصدقة والهبة والعارية مما يدخل في عداد النفقات.
قال الإمام الأكبر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: "عقود التبرعات قائمة على أساس المواساة بين أفراد الأمة الخادمة لمعنى الأخوة. فهي مصلحة حاجيّة جليلة"(1).
الرهن:
هو لغة: الحبس واللزوم، وقيل: الثبوت والدوام. قال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (2)، وقال:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (3). ويطلق أيضاً على الشيء المرهون. وعدّه ابن عابدين في التبرّعات (4).
وهو في الاصطلاح: حبس عين مالية، توثقةً لدين يستوفى منها أو من ثمنها عند تعذر الوفاء من غيرها لعجز أو غيبة أو مماطلة. وهذا ما عناه ابن شاس بما أورده من قوله: احتباس العين وثيقة بالحق يستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذّر أخذه من الغريم (5).
وقالت المالكية: إنه شيء متموّل يؤخذ من مالكه، توثّقاً به،
(1) المقاصد: 502 - 514.
(2)
سورة الطور، الآية:21.
(3)
سورة المدثر، الآية:38.
(4)
رد المحتار: 5/ 340.
(5)
عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة: 2/ 577.
في دين لازم أو آئل إلى اللزوم (1).
وهو جائز غير واجب بالاتفاق؛ لأنه وثيقة دين. وحكمه في هذا كحكم الكفالة. ويصح بكل حق لازم في الذمة ثابتٍ غير معرض للإسقاط من الراهن كدين السَّلَم وعوض القرض وثمن المبيعات وقيم المتلفات، والمهر وعوض الخلع غير المعينين، والدية على العاقلة بعد حلول الحول والأجرة في إجارة العين (2).
واشترطت الحنفية في صيغة الرهن ألا يكون معلقاً بشرط، ولا مضافاً إلى زمن مستقبل، لأن عقد الرهن يشبه عقد البيع من ناحية كونه سبيلاً إلى إيفاء الدين واستيفائه (3).
وقالت المالكية: يصح الشرط الذي لا يتنافى مع مقتضى العقد. فهو شرط فاسد، ولا يؤول إلى حرام. أما ما يتنافى مع مقتضى العقد فهو شرط فاسد مبطل للرهن (4).
ويقع الرهن في السفر والحضر باتفاق المذاهب، لم يخالف أحد في ذلك إلا مجاهداً والضحاك (5). ولا يستحق المرتهن الرهن لعجز الراهن عن فكاكه لما رواه أبو هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يُغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه"(6).
(1) الشرح الصغير: 2/ 303 - 325.
(2)
الموسوعة الفقهية: 32/ 178.
(3)
الكاساني. البدائع: 6/ 135.
(4)
الشرح الكبير: 3/ 240 وما بعدها؛ ابن رشد. بداية المجتهد: 2/ 278.
(5)
ابن قدامة. المغني 4/ 362؛ الشوكاني. نيل الأوطار: 352؛ المجموع: 13/ 137.
(6)
الشافعي. المسند: 148؛ الدارقطني. السنن: 3/ 32 - 33 بإسناد حسن متصل وآخر مرسل من رواية سعيد بن المسيب؛ موارد الظمآن إلى زوائد صحيح ابن حبان: 274.
وله حالات ثلاث يصح فيها:
الأولى: أن يقع مع العقد المنشئ للدين، كأن يشترط البائع على المشتري بثمن مؤجل إلى المستقبل في مدة معينة تسليم الرهن بالثمن.
الثانية: أن يقع بعد الحق أو نشوء الدين. ويصح أيضاً بالاتفاق؛ لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة فيه كالكفالة في الضمان.
الثالثة: أن يقع قبل نشوء العقد، مثل رهنتك متاعي هذا بمائة تقرضنيها.
وهذه الصور جائزة وصحيحة عند المالكية والحنفية، لأنها وثيقة بحق، ولا تصح في ظاهر المذهب عند الشافعية والحنابلة، لأن الوثيقة بالحق لا تلزم قبله لأنها كالشهادة.
ومشروعية الرهن ثابتة بالكتاب والسُّنة. قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (1).
ومن السُّنة ما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد (2).
والحكمة من تشريع الرهن توثيق الديون. مثله في ذلك مثل الكفالة. فهذه توثق الدين شخصياً، والرهن يوثق مالياً. وهو طريق لتسهيل القروض، كما أنه يفيد الدائن بإعطائه حق الامتياز والأفضلية على سائر الغرماء من الدائنين.
(1) سورة البقرة، الآية:283.
(2)
ابن حجر. الفتح: 5/ 53.