الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للوحشة التي تنشأ عن السعي في الحرمان من منفعة مبتغاة. ودليل المنع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه". والقصد من هذا النهي دوام الأخوة بين المسلمين.
ج - وأما المجموعة الثالثة فهي التي مثَّل الإمام لها بصور ثلاث:
° النهي عن بيع الطعام قبل قبضه.
° النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة.
° النهي عن الاحتكار.
والمقصد من المجموعة الثالثة هو طلب رواج الطعام في الأسواق، وعدم بقاء الطعام في الذمة فيفوت رواجه، وعدم إقلال الطعام في الأسواق.
فالمقصد الشرعي في المعاملات رواج الطعام وتيسير تناوله. ويعتبر هذا المقصد أصلاً. وهو يجري في صور من المعاملات. ويكون الإقلال جائزاً في بعض الصور كالتي لا يمكن ترك التبايع فيها، مع كونها من المعاوضات التي لا يخشى معها عدم رواج الطعام. ومثّل لذلك بالشركة والتولية والإقالة في الطعام قبل قبضه، ويمثّل لهذا القصد الشرعي بعتق الرقاب الذي يدل عليه حرص الشريعة على مقصد تحريرها.
طرق التعرف إلى المقاصد:
إن المنهج المعتمد في طلب العلم بالمقصد الشرعي هو القرآن الكريم وهو المرجع الأصلي اليقيني المتن المحتمل المراد منه. فروايته قطعية لا شك فيها، ويشترط في المتن ألا يكون المراد منه
غير ما هو ظاهره. ويؤكد المصنف على هذا المعنى بذكر القاعدة القاضية بأنه إذا انضمت إلى قطعية المتن قوةُ ظنية الدلالة تسنّى لنا أخذ مقصد شرعي منه، يضعف معه تطرق معنى ثانٍ إليه. والآيات الدالة على ذلك كثيرة:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (1)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (2)، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3)، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (4)، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (5)، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (6).
وفي كل آية من الآيات تصريح بمقصد شرعي أو تنبيه على مقصد (7).
والسُّنة النبوية المتواترة. ولها صورتان.
الأولى: المعلوم من الدين بالضرورة. وهو حالان: الأولى ما وصفه الإمام بالتواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة فعل الرسول صلى الله عليه وسلم له. فإن ذلك ينتهي بهم دون شك إلى الإيقان والعمل به. ويظهر مثل هذا في المعلل الشرعي القريب من المعلوم من الدين بالضرورة مثل الحُبس.
والصورة الثانية من التواتر العملي هي أن تتكرر المشاهدة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة دون جميعهم. فإن ذلك يحصل منه للصحابي علم بالمقصد الشرعي كالذي حصل للأزرق بن قيس حين
(1) سورة البقرة، الآية:205.
(2)
سورة النساء، الآية:29.
(3)
سورة الإسراء، الآية:15.
(4)
سورة المائدة، الآية:91.
(5)
سورة البقرة، الآية:185.
(6)
سورة الحج، الآية:78.
(7)
المقاصد: 62.
شردت ناقته. فانقطع عن صلاته، وذهب في طلبها ثم عاد فأكمل صلاته. وعجب أصحابه من فعله فقال لهم: ما عنّفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان يرى من تيسير الرسول ما حمله على ما فعل (1).
وقد ألحق صاحب مقاصد الشريعة هذه الأمثلة في بيان طرق التوصل إلى معرفة المقاصد بمبحثين ذكرهما تيسيراً على الفقهاء وتوجيهاً لهم في طلب هذا المهم:
المبحث الأول هو عين المبحث الذي عقده الشاطبي للإجابة عن تساؤل طلاب العلم الشرعي: بم يعرف ما هو مقصود للشارع؟ ونوَّه الشيخ ابن عاشور في هذا المقام بكلام أبي إسحاق قائلاً: إني أرى فيما أتى به الشاطبي في موافقاته ما يعدّ من المهم إثبات خلاصته (2).
وعلى هذا السنن جرى المصنف معتمداً في تحليله التقسيم العقلي.
والمقصد الشرعي أحد ثلاثة:
مقصد شرعي غائب عنا حتى يأتينا النص الذي يعرّفنا به. ويقتضي هذا الحمل على الظاهر مطلقاً. وهو قد يعني في سياق تعريفه مخالفة القائلين به، فالرأي رأي الظاهرية، وهم يحصرون العلم بذلك في المعاني من النصوص والظواهر.
والاتجاه الثاني هو رأي الباطنية الذين يدّعون أن المقاصد
(1) المقاصد: 63 - 64.
(2)
الشاطبي. الموافقات: (3) 2/ 391.
الشرعية ليست في الظواهر ولا فيما يفهم منها، وإنما هي أغراض من وراء ذلك تتناول النصوص والظواهر بالتعطيل عن مدلولاتها ويقولون فيها برأيهم، ويؤوّلونها تآويل مردودة تُناقض الشريعة.
والاتجاه الثالث هو القائم على الاعتبارين جميعاً على وجه دقيق وواضح، لا يخلُّ فيه المعنى بالنص ولا العكس؛ لأن الشريعة تسير على نظام واحد لا خلاف فيه ولا تناقض. وهذا هو الرأي الذي أخذ به جمهور الأئمة وأكثر العلماء.
والمبحث الثاني الذي ختم به الإمام هذا الفصل هو ذكر الجهات التي تعرف منها المقاصد. وهي ثلاثة أيضاً:
إحداها: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي الذي يقتضي الأمرُ العملَ به بوقوع الفعل عنده مقصوداً للشارع، وكذا القول في النهي لاقتضائه بمجرد صدوره النفي للفعل أو الكف عنه.
الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي كاعتبار النكاح سبيلاً لتحقيق مصلحة النسل، واعتبار البيع طريقاً لبلوغ مصلحة الانتفاع بالمبيع.
الثالثة: اختلاف مقاصد الأحكام الشرعية بين أصلية وتابعة لها. فمنها المنصوص عليه، ومنها المشار إليه، ومنها ما وقع استقراؤه من النصوص كما تقدم (1). وبهذا يتضح أن النصوص وحدها، كما ذهبت إلى ذلك الظاهرية، صالحة لإفادة ذلك. فما خفي من المقاصد. وإن منها ما لم يدل عليه النص لكنه يحصل بالاستقراء، الاستدلال به على أن ما هذا شأنه يعتبر مقصوداً للشارع (2).
(1) المقاصد: 64 - 65.
(2)
المقاصد: 65.