الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب الدكتور مصطفى زيد إلى أنه لا محل للخلاف في أصل بناء الأحكام على المصلحة، إذ هي من أقوى الأصول الشرعية، وأثبتها وأولاها بأن تُبنى الأحكام عليها، ما دامت المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع، وما دام في بناء الأحكام عليها رفع حرج (1).
ويمضي الدكتور البوطي مثل خلّاف وزيد إلى دعم موقف الشيخ ابن عاشور خصوصاً حين يقول: وصفوة القول إن المصالح المرسلة مقبولة بالاتفاق. والمراد من الاتفاق اتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة. وليس من المهم بعد ثبوت ذلك أن تنكرها فئة كالظاهرية أو آحاد الأصوليين كالقاضي أبي بكر الباقلاني والآمدي (2).
الاستحسان:
الاستحسان في الأصل ميل النفس إلى ما تهواه وترضاه دون رعاية دليل من الأدلة الشرعية المعروفة. وهو ما واجهه أهل الأثر بالتصدّي والإبطال حتى بلغ الأمر بالإمام الشافعي إلى القول بأن من استحسن فقد شرعّ، أي وضع شرعاً من قبل نفسه (3). وهذا في واقع الأمر ما لا يقول به أحد من الأئمة. ولدفع ألوان المعارضة إلى الاختفاء ضبط الفقهاء للاستحسان معناه الاصطلاحي. قال الكرخي: هو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر لوجه أقوى يقتضي هذا العدول. وممن انتصب للردّ على الإمام الأعظم أبي حنيفة لاعتماده الاستحسان قبل ضبط معناه الاصطلاحي
(1) د/ مصطفى زيد. المصلحة في التشريع الإسلامي: 181.
(2)
البوطي. ضوابط المصلحة: 2.
(3)
الآمدي: 1/ 140.
الأصولي، عدد لم يتبيّن لهم أن الاستحسان قسم خامس من الحجج الشرعية عند صاحب المذهب. وهذا تسّرع في الطعن، وقدح في مقالة الإمام، ولمّا يقفوا على المراد من الاستحسان في الاصطلاح (1).
وقال ابن العربي من المالكية: الاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل بأقوى الدليلين.
وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: الاستحسان مذهب أحمد. وهو أن يُترك حكم إلى حكم أولى منه. وحدّد الشاطبي موضع العمل بالاستحسان في قوله: يُعمل به إذا كان القياس يؤديّ إلى فوات مصلحة أو إلى جلب مفسدة. فيجب تركه حينئذٍ لما فيه من الحرج (2).
وذكره السرخسي وجعله أحد قياسين: أحدهما جليّ ضعيف الأثر يسمى قياساً، والآخر خفي قويّ الأثر يسمى استحساناً. والترجيح إنما يكون بالأثر لا بالخفاء والوضوح (3).
وهو أنواع كثيرة بحسب طرق إثباته. ذلك أنه يمكن أن يثبت بطريق النص، أو بالإجماع، أو بالضرورة، أو بالعرف، أو بالمصلحة.
(1)
فالاستحسان الثابت بالنص يشمل جميع المسائل التي أعطاها الشارع حكماً مخالفاً لحكم نظائرها على وجه استثنائي
(1) البخاري. كشف الأسرار: 4/ 3.
(2)
شلبي. المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي: 257.
(3)
المبسوط: 10/ 145.
كالسَّلَم والإجارة والتوصية والحكم ببقاء الصوم لمن أفطر ناسياً.
(2)
والاستحسان الثابت بالإجماع أي باتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في زمن من الأزمان على حكم شرعي لحادثة على خلاف الأصل العام المقرّر في أمثالها، أو سكوتهم على ما يفعله الناس دون إنكار عليهم. ومن أمثلته الاستصناع وإطفاء الظمأ نظير مبلغ معيّن من المال.
(3)
الاستحسان الثابت بالضرورة والحاجة. ويكون في كل مسألة يُعدل فيها عن القياس لحاجة الناس وضرورتهم. ومثاله الحكم بطهارة سؤر سباع الطير، والحكم بطهارة البئر التي وقعت فيها النجاسة.
(4)
الاستحسان الثابت بالقياس الخفيّ. ومحلّه وجود قياسين جليّ وخفيّ فيعدل عن الأول كما في وقف الأراضي الزراعية.
(5)
الاستحسان الثابت بالعرف كالنهي عن بيع وشرط. ومثاله أن يحْلف المرء على أن لا يأكل لحماً ويأكل سمكاً. ويتحقّق في كل مسألة جرى العرف فيها على خلاف القياس.
(6)
الاستحسان الثابت بالمصلحة المرسلة. ويكون في كل مسألة عُدل فيها عن الحكم الذي يَقْضِي به القياس إلى حكم آخر يثبت لها بناء على المصلحة الراجحة كعدم إنهاء عقد المزارعة بموت المتعاقدين أو أحدهما، وكدفع الزكاة إلى بني هاشم.
وفرّقوا بين القول بالمصلحة المرسلة والقول بالاستحسان؛ فإذا كان الأخذ بالمصلحة في مقابل قاعدة عامة اعتبر ذلك استحساناً، وإن لم يكن فيه مخالفة للقياس لم يكن استحساناً.