الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المغارسة:
عقد على تعمير أرض بشجر بقدر معلوم كالإجارة والجعالة، أو بجزء من الأصل. وهي جائزة لازمة بالعقد على الراجح. قال بها المالكية وأهملها الحنفية والشافعية (1).
وأتبع المؤلف حديثه عن المغارسة بذكر جملة من أحكامها. كترجيحه ما جرى عليه العمل بالأندلس من إعطاء أرض الحبس مغارسة. وهو ما أفتى به أبو زيد عبد الرحمن الفاسي كما في نوازل الزياني. وقول صاحب المعيار: المغارسة في أرض الحبس ماضية (2).
ولا يجوز أن يشترط على عاملها تكسير الأرض الشعراء وهي الروضة الكثيرة الشجر. ولا جعل جدار للأرض المغترسة.
وجاز تأجيل خدمة المغارسة إلى مدة تبلغها الأشجار أو مدة الإثمار. ولا يجوز أن يكون التأجيل إلى مدة تتجاوز إبان الإثمار. وإن ذلك لموجب من موجبات فساد العقد. قال ابن رشد: وأما إن كان الحد فوق الإطعام فلا يجوز (3).
ومن غرر مسائل الفقه المالكي أن لعامل المغارسة أن يبيع حقه في العمل لآخر يقوم مقامه (4).
ويلحق تلقيح جَبُّوز الزيتون بالمغارسة ولا يجري مجرى المساقاة (5).
(1) التسولي. البهجة. 2/ 196؛ ابن رشد. المقدمات: 2/ 236، 237.
(2)
الونشريسي: 7/ 436، 8/ 171.
(3)
المقدمات: 2/ 283.
(4)
البهجة: 2/ 199.
(5)
المقاصد: 500.
وفرق الشيخ ابن عاشور بين ذكر هذه الأنواع الثلاثة من عمل الأبدان: المساقاة، والمزارعة، والمغارسة، وبيّن ما توصل إلى ضبطه من مقاصدَ شرعيةٍ وآداب تعاملية تُطلب من ورائها، وذلك كوجوه الرفق بالعمال، وعدم استعبادهم أو إلحاق الضرر بهم، والتعجيل بدفع مستحقاتهم وتنفيلهم بمنافع زائدة على ما يقتضيه العمل (1).
ومما سبق نخلص إلى أن مقاصد الشريعة في التصرّفات المالية خمسة هي: الرواج، والوضوح، والحفظ، والثبات، والعدل، كما تقدم وكما ذكره الشيخ رحمه الله (2).
ولا يسعنا بعد استعراض هذه النماذج من العقود المختلفة من عقود التمليك وعقود التبرع، وعقود التوثق وعقود المشاركة أو عقود الأبدان، وبعد الحرص على بيان المقصد الشرعي أو الحكمة من تشريعها، كما هو الشأن في سائر العقود، إلا أن ننبه إلى أن الأئمة من الفقهاء المبرّزين بذلوا في كل العصور من الجهود ما استقامت عليه هذه الشريعة من أحكام وضوابط وعلل وأقيسة بغية التوصل إلى الوفاء بالغرض منها. وما ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسُّنة، وفهمهما فهماً صحيحاً، والاستنباط منهما، والاعتماد على إجماع علماء الأمة، وما قاموا به من ضروب القياسات لعلاج ما يعرض لهم مع تطورات الزمان، وما يقتضيه ذلك أو يتطلبه من دراسة للمستجدات، وبيان لحكم الشارع فيها باستخدام ما بين أيديهم من آلات النظر والبحث والاستنباط والاستنتاج والوقوف على ما هو من مقاصد الشريعة مما أُمرنا فيه بجعل مناهجنا في تصورها وتحديدها
(1) المقاصد: 492 - 500.
(2)
المقاصد: 467 - 470.
وفق ما جاءت به المصادر الأساسية للاجتهاد، وما يتبع ذلك من استحسان واستصلاح ونحوه، وبيان أنواع الدلالات والتفريق بين العموم والخصوص، والاستثناء والشرط والفرق بينهما، ومراعاة القواعد الأصولية والفقهية العامة. فإن ذلك كله وقاية من المخاطر والمزالق، تحمي السلوك الإنساني من الاضطراب، ومن مخالفته لقوانين العقل وأحكام الشرع التي لم يَرِد بها الحكماء ولا رجال الشريعة إلا لأجل حمل الناس على الجادة والاستقامة ما عاشوا. وذلك هو المطلب الثاني بعد الإيمان. يدل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن منهج الإسلام:"قل آمنت بالله ثم استقم"(1). وقد تفطن لهذه الحقيقة العالمان الجليلان محمد الخضر حسين ومحمد الطاهر ابن عاشور. فقال الأول في محاضرة ألقاها بعنوان مدارك الشريعة الإسلامية وسياستها إن المقصد من وضع قوانين المعاملات والجنايات تمكين الناس من حقوقهم التي تهوى إليها أفئدتهم، ووقايتُهم مما يدخل على قلوبهم من الآثار المؤلمة. وليس كل ما فيه ألم يستحق أن يدفع، ولا كل ما فيه لذة هو أهل لأن يجلب. فقد يتجرّع الشخص مشقة تعود عليه بسعادة، ويلتذ براحة تلقي به في التهلكة، كالمريض تلذ له بعض الأطعمة تسوق له منيتَه، ويشمئز ذوقه من بعضها وفيها غنيمة شفائه (2).
وتعرّض الشيخ ابن عاشور لكلام الشاطبي في المسألة الثانية عشرة من كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية (3) قائلاً: "إن الأعمال كلها
(1) مَ: 1/ 65؛ حَم: 3/ 413.
(2)
محمد الخضر حسين. مدارك الشريعة الإسلامية: 10.
(3)
المقاصد: 320 - 321.