الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: المقاصد العامة والمصالح
المقاصد لغة جمع مقصد. وهو مِن قصَد يقصِد قصداً ومقصداً.
ورد القصدُ أو المقصدُ في كلام العرب بمعنى الاعتزام والتوجّه والنهوض نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور. وإن كان قد يخصّ في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل. ألا ترى أنك تقصد الجور كما تقصد العدل. فالاعتزام والتوجّه شامل لهما (1).
ومن هذا التعريف اللغوي أثبتوا للمقاصد عدة معانٍ منها:
(1)
الاعتماد، والأَمّ، وإتيان الشيء، والتوجّه.
(2)
استقامة الطريق.
(3)
العدل، والتوسط، وعدم الإفراط.
(4)
الكسر في أي وجه كان.
ولم يحدد القدماء من علوم أصول الفقه معنى القصد أو المقصد اصطلاحاً. ولا يفي بذلك ما نقل عن بعضهم من التنصيص على جملة من المقاصد أو التقسيم لأنواعها، أو البيان للغرض الذي يحصل به مراعاتها من جلب المصالح ودرء المفاسد.
(1) ابن سيدة. المحكم: 6/ 116.
ولعل أول من عني ببيان معنى المقاصد اصطلاحاً، هو الإمام الأكبر في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية. فقد قدم للقسم الثاني منه بقوله:
المقاصد العامة هي المعاني والحِكم الملحوظة للشارع في جميع أصول التشريع أو معظمها، بحيث لا تختصُّ ملاحظتها بالكون في نوع خاصًّ من أحكام الشريعة، وتدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتُها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، كما تدخل في هذا أيضاً معان من الحِكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها (1).
ونقرأ له بعد ذلك قبل تفصيله القول في المقاصد الخاصة، وأثناء التفريق بين المقاصد والوسائل:"المقاصد هي الأعمال والتصرّفات المقصودة لذاتها، والتي تسعى النفوس إلى تحصيلها بمساع شتى، أو تُحمل على السعي إليها امتثالاً". وزاد عند حديثه عن المعاملات: "المقاصد من موارد الأحكام، وهي المتضمّنة للمصالح والمفاسد في أنفسها".
ووضع الإمام حداً ثانياً يميّز به المقاصد الخاصة عن العامة، وهو قوله:"هي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرّفاتهم الخاصة، كي لا يعود سعيهم في مصالحهم الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيلهم مصالحهم العامة، إبطالاً عن غفلة أو عن استزلال هوى وباطل شهوة".
(1) المقاصد: 165.
وتدخل في ذلك كل حكمة رعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس. ويتفرع عن هذه الحقيقة حصر مقاصد الناس في تصرفاتهم. فهي المعاني التي لأجلها تعاقدوا أو تعاطوا أو تغارموا أو تقاضوا أو تصالحوا.
وذكر الإمام لهذه المقاصد رتبتين:
الأولى: منهما، وهي العليا، هي أنواع التصرّفات التي اتفق عليها العقلاء أو جمهورهم لما وجدوا من ملاءمتها لانتظام حياتهم الاجتماعية.
والثانية: هي الدنيا، وهي التي قصد إليها فريق من الناس وآحاد منهم في تصرّفاتهم لملاءمة خاصة لها ببعض أحوالهم.
وإذا كانت المقاصد الأولى العامة تعتمد من جهة الفطرة، وتتولد عنها السماحة والمساواة والحرية وتمضي بنا إلى الغاية التي يصورها لنا المقصد العام من التشريع وهو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان، والتصور الكامل للحقوق، فإن المقاصد الخاصة تشمل أحكام الأسرة، والتصرفات المالية، والأموال، والمعاملات المنعقدة على عمل الأبدان، وأحكام التبرعات، وأحكام القضاء والشهادة وما يتصل بذلك من تصرف القاضي في تعيين المؤتمن من بين أفراد المستحقين أو من غيرهم، والتعجيل بإيصال الحقوق إلى أصحابها، والمقصد الشرعي من العقوبات.
وتعتبر هذه وتلك من المقاصد حقوقاً عند البعض لما في الحقوق من ضمان للمصالح. وهذه الحقوق منها ما يعرف بإضافته لله، ومنها ما يضاف للعبد، ومنها الحقوق المشتركة.