الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: مسائل مختلفة
تصرّفات المكلفين وأفعالهم، وما يترتب عليها من تشاريع وأحكام تناط بها أغراض الشارع ومقاصده
اختار الإمام الأكبر جملة من التشاريع والأحكام معتمداً في ذلك على المصدرين الأساسيين. ولم يكن دوره في هذا مقصوراً على العناية بالجانب الفقهي وحده، ولكنه عزز نظرته إلى التشاريع والأحكام بإقامتها على المصالح والمقاصد التي تمثل حِكمة التشريع من جهة، وتحرص على خدمة المجتمعات والأفراد بما تجلُبُه لهم تلك الأحكام من مصالح وتدرؤه عنهم من مفاسد. وهذا منهج في النظر والدرس متميز.
كانت جهود الشيخ ابن عاشور شاملة في المشاريع والأحكام المشار إليها للجانبين النظري والتطبيقي. فهي تربط بين ما اهتم به من مقاصد الشرع، وما اعتبره في ذلك وسائل لتطبيق تلك النظريات في قضايا الفقه العامة.
أثر المقاصد والمصالح في التشاريع والأحكام التي تحكم تصرّفات المكلفين:
من البديهي أن تكون أعمال الخلق وتصرّفاتُهم الحرةُ الاختيارية مقتضيةً جزاء، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. ولا يكون هذا الجزاء إلا عدلاً؛ لأن الجزء كما هو معلوم من جنس العمل، والغاية من
الجزاء في أي صورة من صوره ترغيبٌ أو ترهيبٌ وتوصلٌ إلى تحقيق المقاصد القريبة والعالية.
ولإدراك القضايا الفقهية والأصولية والمقاصد على وجهها لا بد بعد تحققنا من أن للشريعة مقاصد من التشريع، وأن حاجة الفقيه إلى معرفتها كبيرة، من أن نتجه مع المؤلف إلى الخط الذي رسمه للتعريف بطرق إثبات المقاصد الشرعية. فنتبيّن من ذلك ما كان معتمداً لهذا الغرض في الزمن المتقدم عند السلف، وما هو من تلك الطرق أساسي وعلمي يمكن اعتماده من المجتهدين اليوم. ويضطرنا الأمر في هذه الحال إلى الجمع بين المسائل الفروعية التي هي مجالات التطبيق، وبين النظريات الحِكمية للمقاصد التي تعلل بها الأحكام أو توجه بها، لفرط ارتباطها بالمصالح وبالغايات التي أنيطت بها.
فطريقة السلف في طلب المقاصد، وإن كان الشيخ ابن عاشور مع ذكره لها لم يعدّها من الطرق لأنه لم يجد حجة لذلك في كل قول من أقوالهم، أو لأن بعضها غير مصرِّح صاحبُه بأنه راعى في كلامه المقصد، وبعضها فيه التصريح أو ما يقاربه لكنه لا يعد بمفرده حجة؛ وقصاراه أن يكون رأياً لصاحبه في فهم مقصد الشريعة (1)، يقتضي بحثاً ويتطلّب درساً لما ذكروه في هذا الغرض، فإن أقوالَهم كما بيّن ذلك الإمام الأكبر دالة على أن مقاصد الشريعة على الجملة واجبة الاعتبار، ولأن أقوالهم لما تكاثرت أنبأتنا بأنهم كانوا يتقضَّون بالاستقراء مقاصد الشريعة من التشريع (2). وبياناً لذلك ذكر المؤلف أحكام بعض قضايا فروعية، تولّى من خلالها
(1) المقاصد: 66.
(2)
المقاصد: 66.