الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأس المال يقومان بدور هام في النشاطات الإنتاجية المتطورة. ولا يعني هذا تراجع الدور الذي يقوم به الإنسان، وإنما يعني تطور طبيعة الأعمال التي يقوم بها في مختلف النشاطات وتقدُّمها نحو أن تكون أعمالاً ذهنية تتفق مع تكريم الخالق للإنسان (1).
ج - رأس المال:
هو العنصر الثالث من عناصر الإنتاج. والمراد به هنا وعند رجال الاقتصاد وفي مجالات التنمية، ليس مجرد التملك والتكسب.
وقد تعددت أنواعه عند الاقتصاديين وجعلوا منه رأسَ المال الكاسب، وهو ما يغلُّ لصاحبه دخلاً من غير أن يستخدم ماله في الإنتاج ورأسَ المال المنتج.
وألحقوا بهما أنواعاً كثيرة أخرى: منها رأسُ المال الزراعي والصناعي والتجاري.
فرأس المال المنتج هو: الثروة التي أنتجت لتستخدم بدورها في إنتاج ثروة أخرى. والمال المنتج ينقسم إلى قسمين:
الأول: رأس المال الثابت. ويشمل المصانع والمنشآت والمباني وما في حكمها.
الثاني: رأس المال المتداول الذي لا يستخدم في الإنتاج غير مرة واحدة مثل البذور والسماد والفحم والبترول والمواد الأولية.
ورأس المال الزراعي والصناعي والتجاري يختلف في مقوماته بين الثلاثة. فالزراعي يشمل المواد التي تستخدم في الإنتاج الزراعي. ومثال ذلك الآلات الزراعية والسماد والماشية والترع
(1) د/ عبد العزيز فهمي هيكل. المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي: 112 - 113.
والسواقي ومساكن العمال والمخازن. ولا تعتبر الأرض رأس مال عند محمد الباقر. وهي ألحق بإطار التوزيع عنده منها بإطار الإنتاج. ويخالف هذا الرأي كثير من رجال الاقتصاد كما بيّن ذلك (جِيد) حين قال: إن كل ما يبذل في الأرض من عمل ورأس مال يصبح جزءاً منها ويسري عليه ما يسري على الأرض من القوانين مثل الغلة المتناقصة (1).
ويشمل رأسُ المال الصناعي المواد التي يستعين بها الإنسان في الإنتاج الصناعي كالآلات الصناعية، وأبنية المصانع والمواد الأولية.
وأما رأسُ المال التجاري فكالسفن والعربات وسكك الحديد والموانئ والمخازن والطائرات والمطارات مما يسهّل على أصحاب هذه المهنة التنقل والاستبدال. وبعض هذه الوسائل يضاف أحياناً إلى المجالات المستخدمة فيها كالمجال الزراعي والصناعي.
ورؤوس الأموال المنتَجة تقتضي:
أولاً: وجود فائض من المنتجات يعيش منه العمال الذين يعملون على توفيره.
وثانياً: الادخار واستثمار الثروات المدخرة. قال الإمام الأكبر: وأما رأس المال فوسيلة لإدامة العمل للإثراء. وهو مال مدّخر لإنفاقه فيما يجلب أرباحاً (2) أي للاستثمار. وما كان هذا شأنه، وقد أديت زكاته، لا يكون من قبيل الاكتناز Thesaurisation المنهي عنه شرعاً. ومن مقاصد الشريعة عدم تجميد الأموال ولزوم تحريكها فيما ينفع الناس من ألوان العمل الاستثماري.
(1) مجموعة دروسه: 1/ 183 - 184.
(2)
المقاصد: 467.
وثالثاً: وجود من يقوم من المدّخرين بتجميع رأس المال للمشروعات الإنتاجية التي تتطلب التمويل من أجل مضاعفة الإنتاج وتطويره. وهذه المشروعات هي التي تقوم على إيجاد رؤوس الأموال دون غيرها. وذلك بتوفير العمل وآلاته ومختلف المواد الأولية، وإنتاج الثروات الاستهلاكية. وهي تتجه إلى هذا الإنتاج أو ذاك بحسب قصد المدخرين، أو بحسب الخطة التي. يرسمونها لتحقيقه وإنجازه.
ومن أهم العوامل، بل الحوافز، المتعددة في هذا العصر للمساعدة على الادخار والزيادة في رؤوس الأموال، تلك الاختراعات الحديثة التي يرجع إليها الفضل في إيجاد المشروعات الكثيرة، وتطوير طرق الاقتصاد في مختلف المجالات من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومشروعات الأمن الغذائي والسكاني والثورة البيضاء التي يسود بها الأمن، وتعم بها الطمأنينة ربوع البلاد وسائر الأرجاء (1).
ويتنوع رأس المال المعدّ لأن يكون عنصراً من عناصر الإنتاج في المفهوم الاقتصادي ما أو مأنا إليه قبل: رأس المال الإنتاجي، ورأس المال التجاري.
فرأس المال الإنتاجي إما أن يكون عينياً، وهو عبارة عن مجموع الأموال المادية التي تزيد في إنتاجية العمل متى استخدم في العملية الإنتاجية، وإما أن يكون نقدياً وهو مجموع المبالغ النقدية المستخدمة في تمويل العملية الإنتاجية.
(1) د/ محمد عبد المنعم الجمال. الموسوعة الاقتصادية: 124 - 132.
ورأس المال التجاري هو مجموع الأموال الاقتصادية، عينية كانت أو نقدية، المستخدمة في المبادلات من أجل الحصول على الأرباح. وبخصوص النقدية يلاحظ أنها قادرة على تمويل العمليات التجارية، لبلوغ نفس الغرض. وذلك مثلاً عن طريق شراء السلع وإعادة بيعها (1).
وتجب في رأس المال التجاري الزكاة مهما كانت أنواعه. قال الجمهور: تقوّم باليوم الذي تجب فيه، فتؤدّى الزكاة من قيمته. وذهب الشافعي إلى تقويمها بالثمن الذي اشتريت به وتؤدى الزكاة (2). وعائد هذا النوع من رأس المال ربح أو خسارة، وعلى الشركاء فيه مثل ذلك. وليس لواحد منهم اشتراط ربح مخصوص لنفسه، لما في ذلك من اختلال العدل في توزيع الربح بين الشركاء. ولا يخلو أن يكون رأس المال نقوداً أو عروضاً. فإن كان الأول فقد اتفق الفقهاء على صحة الشركة فيه، وإن كان رأس المال عروضاً، قوّمت تلك العروض وجعلت القيمة رأسَ مال للشركة.
ولا مندوحة هنا من الوقوف على المعاملات المالية. وقد أشرنا قبلُ إلى أن منها ما يكون من باب التملك كبيع ديار السكنى، والأطعمة المأكولة، ومنها ما يكون من قبيل التكسب كبيع أرض الحراثة وأشجار الزيتون، وعقود الشركات من قراض ومزارعة ومغارسة ومساقاة، وعقود الإيجار في الذوات والدواب والآلات والسفن والبواخر والأرتال. والمقصود الشرعي في الأموال كلها خمسة أمور هي: الرواج، والوضوح، والحفظ، والثبات، والعدل فيها.
(1) د/ محمد عبد المنعم الجمال. الموسوعة الاقتصادية: 124 - 135.
(2)
ابن هبيرة. الإفصاح عن معاني الصحاح: 1/ 209.