الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقلي، وهو مظنّة عدم التثبت في الحكم كان مصيباً أيضاً، وإن كان الجواب الأول جوابَ التعبّد المحض، والجواب الثاني جوابَ الالتفات إلى المعنى. وإذا جاز اجتماعهما وعدم تنافيهما جاز القصد إلى التعبّد. وإذا جاز القصد إلى التعبّد دلّ ذلك على أن هناك تعبداً، وإلا لم يصح توجّه القصد إلى ما لا يصلح القصد إليه من معدوم أو ممكن أن يوجد أو لا يوجد (1).
4 -
اختصاص الشارع بتعريف المصالح والمفاسد التي يقصدها باعتبار ما تحقّقه من جلب للأولى ودرء للثانية.
وردّ على هذا الشيخُ شلبي بقوله: إذا كان كلام المستدِلّ صريحاً في أن الأصل من تشريع المعاملات والمقصود منها أولاً وبالذات هو تحصيل مصالح الناس، وأن اعتبار التعبّد فيها جاء من ناحية ورود النص بها. فمقتضى هذا أن تكون الأولى راجحة والثانية مرجوحة (2).
ونفى الشيخ ابن عاشور أدلّة الشاطبي في هذه القضية قائلاً: إن أبا إسحاق ذكر في المسألتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة من النوع الرابع الجزء الثاني من كتاب المقاصد له، كلاماً طويلاً في التعبّد والتعليل معظمه غير محرّر ولا متّجه. وقد أعرضت عن ذكره هنا لطوله واختلاطه (3).
أهميّة التعليل:
من المؤكد أن التعليل هو الأساس الذي يقوم عليه بناء
(1) الموافقات: (3) 2/ 314.
(2)
شلبي. تعليل الأحكام: 299.
(3)
المقاصد: 157 - 158.
المقاصد. وهو يمثل طوراً من أطوار الارتقاء العلمي الذي يصل إليه الذهن. فإذا فُقد التعليل، وأَبطل الناسُ النظرَ في الترجيح ونحوه، ونزلت بالناس الحوادث واستجدّت، ولم يجدوا لهم من ذلك مخرجاً، فنزعوا إلى تلفيق الأحكام إما باستنباطها من كلام أئمتهم، وهو أمر غير جائز كما جاء في القاعدة الثانية قبل باب الصلاة من قواعد المقّري، وإما بالرجوع إلى عمل علمائهم في الأندلس وفاس وتونس. وذلك ما ردّه ابن العربي أيضاً ردّاً صريحاً فى كتابه العواصم (1).
لهذا السبب يعتبر التعليل أساساً للفكر التشريعي، كما قدمنا (2).
ورغم ذلك نفى زعيم المدرسة الظاهرية بالأندلس الإمام ابن حزم التعليل والقياس، ودعا إلى ذلك صراحة في كتابه الإحكام حين قال:
وممّا صَرَفَ عدداً من الناس غيرَ قليل، عن القول بتعليل الأحكام، ما كان يلحق المُثبتين له من تهمة الانحراف عن الحق، بما يلزمهم من الأخذ بمذهب المعتزلة المتمثل في القول بوجوب فعل الصلاح والأصلح على الله تعالى، وبتأويلهم الغرض بالمنفعة العائدة إلى الفاعل. فمن فسره بالمنفعة العائدة إلى الفاعل قال: لا تُعلّل، ولا ينبغي أن ينازع في هذا. ومن فسّره، أي الغرض، بالمنفعة العائدة إلى العبد قال: تُعلّل. وكذلك لا ينبغي أن ينازع فيه (3).
(1) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: 198 - 199.
(2)
شلبي. تعليل الأحكام: 77.
(3)
ابن حزم. الإحكام: 8/ 97 - 98.