الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حولاً، ولا معه نفرة، ولا في التسليم والخضوع له هضيمة. وفي هذا الغرض يطول الكلام. وقد أتى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور، بأصول الاستحقاق وجماع أصول تعيين الحقوق وجعَلهَا نوعين؛ لأنها كما تقدم إما أن تكون من قبيل التكوين، وإما من قبيل الترجيح (1).
والمراد من التكوين أصل الخلقة بأن ينشأ الحق مع تكوين صاحبه مقارناً له.
والترجيح هو إظهار أولوية جانب على آخر في حق ما هو صالح لجانبين فأكثر. وطريق ذلك إما حجة العقل الشاهد بالرجحان، وإما الحجّة المعتمدة في الجملة بين الناس. فإن لم يكونا فإنه يصار إلى مرجّحات اصطلاحية مثل كبر السن، والسبق إلى تحصيل الشيء، والقرعة بحسب قوّة موجب تعيين أصحاب الحقوق.
أصحاب الاستحقاق:
فصّل صاحب مقاصد الشريعة الإسلامية أصحاب الاستحقاق إلى تسعة مراتب متوالية تدريجياً لما بينها من تفاوت.
المرتبة الأولى: أن يكون الحق أصلياً مستحقاً بالتكوين وأصل الجبلة. وهو حق المرء في تصرّفات بدنه وحواسّه ومشاعره. ويلحق به نسل الأنعام المملوكة لأصحابها، وثمر الشجر، ومعادن الأرضين، وكل ما تولد من شيء ثبت منه حق معتبر.
المرتبة الثانية: ما كان الحق فيها قريباً من المرتبة الأولى، ولكنه يخالفها لما به من شائبةِ تواضعٍ، دعت إلى اصطلاح نظام الجماعة أو الشريعة عليه، كحق الأب في أولاده.
(1) المقاصد: 409 - 410.
المرتبة الثالثة: أن يكون المستحق وغيره سواء في إمكان تحصيل الحق، غيرَ أن بعض المستويين في ذلك قد سعى بجهد، وعمل بيده أو بدنه أو بابتدار لتحصيل الشيء قبل غيره.
المرتبة الرابعة: أن يكون الطريق إلى نوال الشيء هو الغلبةُ والقوةُ كما في القتال على الأرض، والغارة على الأنعام، والأسر والسبي في الاسترقاق، والجهاد والمغانم.
المرتبة الخامسة: هي حق السبق الذي لم يصحبه جهد في تحصيل الحق كمقاعد الأسواق للباعة، ومقاعد المتسوّقين والمجالس في المساجد، والسقي من السيح والأودية، وتزوج ذات الوليين، وترجيح الزوج الذي سبق بالبناء بالمرأة على الزوج الآخر، ومثل الالتقاط ونحوه.
المرتبة السادسة: أن يكون المستحق قد نال الحق بطريق ترجيحه على متعدد من المستحقين في مراتب أخرى، كجعل حضانة الأولاد حقاً للأم دون الأب، وكالنظر في مال القُصَّر للأب وغير ذلك. ولحقوق هذه المرتبة أمثلة كثيرة يخضع الاستحقاق فيها للجانب المرجَّح.
المرتبة السابعة: نوال الحق ببذل عوض في مقابلته، يدفع إلى صاحب الحق إرضاء له. وهذا من التعاوض فيما يقبل التعويض. وهذه المرتبة أوسع المراتب وأشهرها في نظام الحضارة الإنسانية.
المرتبة الثامنة: نوال الحق بعد انقراض مستحقه من أقرب الناس إليه وأولاهم بأخذ حقوقه. وهذا هو نظام الإرث الذي حدد الشارع فروضه على اعتبار القرابة الأصلية العائلية دون النظر إلى صلات الود ونحوه. وقد حصر الإسلام حق الإرث في النسب والزوجية والولاء، وجعله في المتموّلات خاصة.