الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: العقود
العقود جمع عقد. وهو لغة: الربط والشد، ويطلق على الجمع بين أطراف الشيء. وهو عند الفقهاء: ما يتم به ارتباط إرادتين من كلام وغيره، ويترتب عليه التزام بين طرفين. قال الجرجاني في تعريفاته: هو ربط أجزاء التصرّف بالإيجاب والقبول.
وللعقد صيغة هي المظهرة لإرادة المتعاقدين. والإرادة أمر خفي لا يدرك إلا بما يظهرها من لفظ أو ما يقوم مقامه مما يكون به الإيجاب والقبول. وصيغة العقد قول يكشف عن الرغبة والقصد من لفظ العاقد وعبارته. وقد ضبط الفقهاء، لكل عقد، الألفاظَ التي تدل على مراد قائلها في إنشائه، معتمدين على ما أفصحت عنه اللغة، أو ما دلّ عليه العرف وما اعتاده الناس في كل المعاملات.
ويقع التعاقد بالأفعال أي بالتعاطي فيما جرى به العرف من المعاملات كركوب سيارة الأجرة ونحوه. وأجازت المالكية والحنابلة التعاقد بالتعاطي مطلقاً. ومنعه الشافعية والشيعة في أصل مذهبهم لعدم وضوح الأفعال في الدلالة على الإرادة إلا في التافه من الأمور كبيع رغيف (1). والمختار في القول بالتعاطي ما ذهب إليه الإمام مالك في قوله: "ينعقد البيع بكل ما يعده الناس بيعاً". واستحسن
(1) الحصكفي. كفاية الأخبار في حل غاية الاختصار: 1/ 147 - 148.
هذا الرأي ابن الصباغ. وقال النووي: "هذا الذي استحسنه ابن الصباغ هو الراجح دليلاً، إذ لم يصحّ في الشرع اشتراط اللفظ، فوجب الرجوع إلى العرف"(1).
وأما قضية الرضا بالعقد والإقدام على إنشائه فهو يتبع ما جرى عليه جمهور الفقهاء.
فالعقد الصحيح هو الصادر عن اختيار ورضا، مستوفياً للشروط الواجب توافرها في العاقد والمعقود عليه وصيغة العقد.
والعقد الباطل هو الصادر ممن لا عبارة له شرعاً. فهو عقد لا اختيار فيه للعاقد ولا رضا.
والعقد الفاسد هو ما تحقق فيه اختيار العاقد وقصده إلى تكوين العقد وإنشائه لكن هذا الاختيار فَقَدَ رضا منشئه بآثاره. فإذا تحقق الرضا انقلب إلى عقد صحيح.
وفرّقوا في الفقه الإسلامي بين العقود الشكلية التي لا بد فيها مع صيغة العقد من شهادة الشهود أو التوثق أو التسجيل والتسليم كعقد الزواج والهبة، وبين العقود الرضائية وهي الأغلب، والتي تتم بمجرد تكوينها والرضا بها وبآثارها.
وعقود المعاملات مشروعة. وهي من قسم الحاجي، يحصل لزومها بصيغ العقود. واشترطت فيها شروط لفائدة المتعاقدين كليهما. فإذا استوفَتْ شروطها فهي صحيحة، وبصحة العقد يترتب أثره. والأصل فيها اللزوم بحصول الصيغ (2).
ويتنوع تقسيم العقود بين القدامى والمحدثين. والذي اخترناه من ذلك اعتبار العقود ست مجموعات، هي:
(1) المرجع نفسه.
(2)
المقاصد: 471.
• الأولى: بحسب المشروعية وعدمها.
• الثانية: بحسب النفاذ أو التوقّف على إجازة من له الإجازة.
• الثالثة: بحسب اللزوم والجواز من الجانبين أو من أحدهما.
• الرابعة: بحسب الاكتفاء بإرادة المتعاقدين أو باشتراط شيء آخر وراءها كالقبض.
• الخامسة: بحسب وجوب الضمان وعدمه فيها (1):
° وهي عقود ضمان كعقود البيع والصلح والتخارج، وكذا المهر والخلع والطلاق على مال، والمغارسة عند الشافعية والحنابلة.
° وعقود الأمانة كالإيداع، والإيجار عند الحنفية والمالكية.
° وكذلك عقود مزدوجة بينهما كالإجارة والشركة والمضاربة والوكالة.
• والسادسة: التي تتمايز عقودها بحسب موضوعها والغرض المقصود منها.
وكل أنواع هذه العقود والمعاملات تتحقق بها مقاصد الشريعة لأنها إنما شرعت لجلب المصالح والمنافع، ودرء المفاسد والمضار، ولأنها حين يصوغها المتعاقدون بينهم لا يريدون منها إلا غاياتها، بتحقيق مقاصدهم عن طريقها.
والعقود من هذا النوع كثيرة منها: المضاربة، والعنان، والوجوه، والأبدان، والتفويض، والمساقاة، والمزارعة. وهي تغطي حاجات المجتمع والأفراد.
ونقتصر في هذا المقام على مجموعة عقود التمليك.
(1) د/ عثمان المرشد. المقاصد من أحكام الشارع. القسم الأول، الجزء الثاني:282.