الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما سدّت الذرائع فتحت ذرائع أخرى (1). وهو ما نبّه إليه الشهاب القرافي نفسه (2).
الموضع الخامس: نفوذ الشريعة:
في نفوذ الشريعة، وتطبيقها إقامة العدل. وفيه مسلكان: مسلك الحزم في تطبيقها، ومسلك التيسير والرحمة، بقدر لا يفضي إلى انخرام مقاصد الشريعة. وقد أورد القرافي جملةً من القواعد نشأت في الفقه الإسلامي؛ من بينها: أن النهي يقتضي الفساد.
ذكر هذه القاعدة الإمام القرافي في الفرق السبعين. ونبّه عليها أكثر علماء الأصول؛ كابن الوكيل والجويني والغزالي والرازي والآمدي والأصفهاني وابن حزم وابن الخباز، والعلائي في رسالة له بعنوان تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد. وهذه القاعدة من مسلَّمات علم أصول الفقه وفروعه. ولا ينبغي أن تتساهل الأمة في الغفلة عنها أو يتهاون بها؛ لأنها من مقاصد الشريعة، ولأن الاسترسال في عدم اعتبارها يستشري في الناس فينتهي بهم الأمر إلى إضاعة معظم الشريعة. وذهب الشيخ ابن عاشور يؤكّد ذلك ويضرب له الأمثلة بمحافظة الشريعة على أحكامها في الأحوال التي يتحقق فيها عدم فوات المقصد، ثم أتبع هذا بقوله: ولإكمال الوصول إلى الغاية من هذا المسلك أقام نظامُ الشريعة أمناء ووزعة لتنفيذ أحكامها ومقاصدها في الناس بالرغبة والرهبة، أعني بالموعظة والقوّة، متمسِّكاً في هذا بالقرآن الحكيم، ومستشهداً على إرادة البلوغ بالأحكام الشرعية إلى الالتزام بها والتنفيذ بها بما أورده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامته الحدود، وبعثه
(1) المقاصد: 335 - 342.
(2)
التنقيح: 448.
الأمراء والقضاة والأمناء. وقد اعتبر ذلك كله من أصول نظام الحكومة الإسلامية.
ومن ثم نجد الشيخ يكمل درس هذه المسألة بالإشارة إلى فرقين آخرين، توسع أيضاً في بيانهما. وهما الفرق السادس والتسعون بين قاعدة من يتعين تقديمه وبين قاعدة من يتعين تأخيره في الولايات والمناصب والاستحقاقات الشرعية (1)، والفرق الثالث والعشرون بعد المائتين بين قاعدة ما ينفّذ من تصرّفات الولاة والقضاة وبين قاعدة ما لا ينفّذ من ذلك. وهو خمسة أقسام (2).
وقد نعتبر من ذلك سأله الوفاء بالعقود الذي حثّ عليه تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (3). واستدل على وجوب مراعاة أصل مقصد الرواج في العقود المالية بما تقتضيه تلك العقود من لزوم دون تخيير إلا بشرط. ويتعرض إلى الفرق السادس والتسعين بعد المائة (4). مضيفاً إليه قوله: وأما العقود التي جعلها فقهاؤنا غير لازمة بمجرد العقد، بل حتى يقع الشروع في العمل كما في الجُعل والقراض باتفاق، والمغارسة والمزارعة على خلاف، فإنما نظر فيها إلى عذر العامل. فمصلحة العقد بالأصالة في لزومه، وتأخرُ اللزوم في هذه لمانعٍ عارض، خلافاً لظاهر كلام القرافي في الفرق التاسع بعد المائتين (5).
وهذه القواعد وما يتصل بها من بيان الشيخ ابن عاشور
(1) القرافي. الفروق: 2/ 157 - 163.
(2)
المصدر السابق: 4/ 39 - 48.
(3)
سورة المائدة، الآية:1.
(4)
القرافي. الفروق: 3/ 269 - 275.
(5)
المصدر السابق: 4/ 13.