الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قانون هذه البيئة الاجتماعية هو التطوّر. ولن تقف حركة التطوّر الكوني والإنساني إلا حين تقف عجلة هذه الحياة الأرضية البشرية ونواميسها كلها، وتدع المكان لحياة أخرى في عالم جديد، له خصائص جديدة ترشّحه للثبات والخلود (1).
وحقيقة التجديد لا تعني لدينا، نحن المسلمين، غير السعي للتقريب بين وقائع المجتمع المسلم في كل عصر وبين المجتمع النموذجي الأول الذي أنشأه الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك هو المطلوب لغةً، والمقصود عملاً وديانةً. وليس من التجديد في شيء المفهوم الذي تقدمه العصرانية. وهو ما شاع عند أولي الظن كأثر من آثار مواجهة الحضارة الغربية للإسلام. فهي تقدم خليطاً من الإسلام ومن جاهلية الغرب، وتجتهد في إيجاد المواءمة بينهما، وتعتمد بذلك أسلوب التحوير والتأويل لتعاليم الإسلام، وأسلوب التنازلات والتسويغ باسم الاجتهاد (2).
التجديد بين اتجاهين تحيط بهما محاذير:
برز اتجاهان خارجي وداخلي، متحامل ومستسلم. ينطق بالأول التوجيه الغربي لحركة التجديد الفقهي بل الفكري الإسلامي.
فهذا أحد المستشارين الإنجليز بوزارة الخارجية يقول في كتابه إلى أين يتّجه الإسلام؟: يبدو للنظرة الأولى أن الجمهرة العظمى من المسلمين لم تتأثّر بمؤثرات دينية أوروبية، وأن التفكير الديني الإسلامي قد ظلّ وثيق الاتصال بأصوله الدينية التقليدية. ولكن ذلك ليس هو الحقيقة كلها. فالواقع أن التعاليم الدينية ومظاهرها عند أشد
(1) د. فتحي عثمان. الفكر الإسلامي والتطور: 22.
(2)
بسطامي محمد سعيد. مفهوم تجديد الدين: 281.
المسلمين محافظة على الدين وتمسكاً به، قد أخذت في التحوّل ببطء، خلال القرن الماضي. فإن دخول عناصر جديدة على الحياة الإسلامية كان يقتضي إبراز بعض تعليمات الدين، وتوجيه عناية أكبر إليها، ووضعها في المكان الأول، ووضع تعليمات أخرى في مرتبة غير أساسية. وإذا حدث هذا أيقنا بأن الموازين الدينية والتعاليم الأخلاقية في الإسلام آخذة في التحوّل. وأن هذا التحوّل يتّجه نحو تقريب الموازين الغربية في الأخلاق، من تلك التي تتمثل في التعاليم الأخلاقية للكنيسة المسيحية.
وبجانب هذا التأويل للتجديد الذي ورد من الخارج نجد المستشرق الإنجليزي صاحب كتاب التشريع الإسلامي يقول في وصفه لأكذوبة التناقض التي يتصوّرها في التشريع:
توصف الشريعة الإسلامية بأنها شريعة الوحي وشريعة الفقهاء. وهذا التناقض الظاهري في الوصف يكشف عن وجود توتّر أساسي في النظام الذي يتجاذبه الوحي الإلهي من ناحية، والمنطق البشري للفقهاء من ناحية أخرى (1).
وبينما يلحُّ أحدُهم في الدعوة إلى تجديد أصول الفقه التقليدي وإسقاطه، مصرّحاً بقوله: إن علم الأصول التقليدي الذي نلمس فيه الهداية، لم يعد مناسباً للوفاء بحاجاتنا المعاصرة حقَّ الوفاء، فهو مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها، بل بطبيعة القضايا التي كان يتوجّه إليها البحث الفقهي (2). وتصدرُ الآن عن آخرين مقالات لا تشجّع على الأخذ بهذا التجديد ولا تسمح بالمضي فيه.
(1) المسلم المعاصر: 3 يوليو 1975 ترجمة د. جمال الدين عطية.
(2)
قضايا التجديد: 12.