الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرية:
يعزّز الصفات التي ذكرناها ما جاء في الشريعة من بيان مدى حرية التصرّف بين الناس. وللحرية عدة معانٍ. فهي تعني أساساً استواءَ أفراد الأمة في تصرّفهم في أنفسهم. وهذا بدون شك مقصد أصلي من مقاصد الشريعة.
وتُطلق الحرية بإزاء معانٍ كثيرة أخرى:
أولها: ما يضاد العبودية. فمن أهم المقاصد التي دل عليها الاستقراء إبطال العبوديّة وتعميم الحرية.
ثانيها: أن يتصرّف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة، تصرّفاً غير متوقّف على رضا أحد آخر. وتطلق هذه الحريّة مجازاً على تمكّن الشخص من التصرّف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض.
ولا شك أن معنيي الحرية المزدوج مراد للشارع: وذلك لنشأتها على الفطرة، ولكونها تقتضي المساواة. وهي من مقاصد الشريعة الأساسية.
وباستقراء نصوص الشريعة ندرك مدى تشوُّف الشريعة إلى الحرية وحرصها على بثها بين الناس. فالحرية من مقاصد الإسلام. وتتعلّق بعدة مظاهر في المعتقد والقول والعمل ونحو ذلك.
تشوف الشارع للحرية:
أكد الفقهاء على تشوّف الشارع للحرية. فكان من أكبر مقاصد السياسة الإسلامية إيقاف غلواء الأمم الظالمة الطاغية، والانتصاف من الأقوياء للضعفاء. وقد سلط الإسلام عوامل الحرية على عوامل
العبودية جمعاً بين نشر الحرية وحفظ نظام العالم. وذلك بإيقاف أسباب كثيرة من أسباب الاسترقاق، وقصره على سبب الأسْرِ خاصة. فأبطل الاسترقاق الاختياري، والاسترقاق لأجل الجناية، والاسترقاق في الدَّيْن، والاسترقاق في الفتن والحروب الداخلية، واسترقاق السائبة. وعالج الإسلام الرق الموجود بجميع أنواعه بروافع تدفع ضررَه.
ومن معاني الحرية المعدودة في مقاصد الإسلام، تعلّق الناس بأصولهم في معتقداتهم وأقوالهم وأفعالهم مما يخوَّل لهم الشرعُ التصرّف فيه. وقد جعل الشيخ ابن عاشور من هذا عدداً من الحريات نذكر منها:
أولاً: حرية الاعتقاد القائمة على إبطال المعتقدات الضالَّة التي يُكرِه دعاةُ الضلالة أَتباعَهم ومريديهم على اعتقادها دون فهم ولا هدى ولا كتاب، ونفيُ الإكراه في الدين، والسماحُ بإقامة البراهين على العقيدة الحق، وحُسن مجادلة المخالفين وردُّهم حين الجدل إلى الحق بالحِكمة والموعظة الحسنة.
ثانياً: حرية الأقوال في التصريح بالرأي والاعتقاد في منطقة الإذن الشرعي. وشاهد هذا قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان"(2).
ومنها حرية الأعمال وتدخل في كل مباح. وليس أحد أرفق
(1) سورة آل عمران، الآية:104.
(2)
انظر المقاصد: 379.