الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والهبة وسائر ما اتصل بها أو جاء بمعناها تكون بصيغة مفيدة الملك المؤبد.
وتكون الهبة من باب المعاوضة، إذا كانت هبة ثواب. وذلك بأن يعطي الرجل شيئاً من ماله لآخر يثيبه عليه. وحكمها الجواز. والموهوب له إما أن يردّ القيمة أو نفس ما وهب له إن كان قائماً.
المجموعة الثانية: عقود المعاوضات:
البيع:
هو رأس عقود المعاوضات.
وهو لغة: مطلق المبادلة، مالية كانت أو غير مالية. والمبادلة: إعطاء شيء وأخذ شيء مكانه. واصطلاحاً: مبادلة مال بمال على التأبيد مِن غير ربا ولا قرض.
وورد في تعريف البيع أيضاً قولهم: هو تمليك البائع مالاً للمشتري بمال يكون ثمناً للمبيع. وقال المناوي في حدّه: هو تمليك عين مالية أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي (1).
وينقسم البيع باعتبارين مختلفين: الأول باعتبار المبيع، والثاني باعتبار تحديد الثمن.
فمن الأول أربعة أنواع: البيع المطلق، وبيع السَّلَم، وبيع الصرف، وبيع المقايضة.
ومن الثاني ثلاثة أنواع أيضاً: بيع المساوقة، وبيع المزايدة، وبيع الأمانة.
(1) د/ نزيه كمال حمّاد. معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء: 83.
وبيع الأمانة: هو ما فيه اطمئنان من قبل البائع، لأنه أمانة في يد المشتري. وهو بيع مبني على الثقة والاطمئنان في التعامل.
ويختلط به ببيوعات ثلاثة هي: المرابحة، والتولية، والوضيعة.
أما بيع المرابحة: فهو بيع ما ملكه بما قام عليه وبفضل بين الطرفين.
وأما بيع التولية: فهو نقل جميع المبيع إلى المُولَى بما قام عليه من غير زيادة ربح ولا نقصان.
وأما بيع الوضيعة: فهو بيع الشيء بنقصان معلوم من الثمن الأول. وهو مقابل للمرابحة (1).
وبالاعتبار الثاني كأن يكون الثمن منجزاً أو مؤجلاً.
أو أن يكون المبيع مؤجلاً أو يكون البدلان مؤجلين.
وأضافوا إلى هذه التقسيمات تقسيمات أخرى تكون بحسب حصول المبيع وغيبته، أو بحسب رؤيته وعدمها، أو بحسب تحقق العقد أو التخيير فيه، أو باعتبار الحكم الشرعي. وهي أنواع كثيرة (2). وقد ثبت مشروعية البيع بالكتاب وهو قوله سبحانه:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (3)، وبالسُّنة في قوله صلى الله عليه وسلم:"البيعان بالخيار ما لم يفترقا"(4). وبالإجماع على جوازه.
وحكم البيع: أنه أحد أسباب المِلْك، يثبت للمشتري في
(1) الموسوعة الفقهية: 9/ 48 - 49/ ف 1، 6، 7، 9.
(2)
انظر المزيد من البيان والتفصيل لأقسام البيع. الموسوعة الفقهية: 9/ 5 - 10.
(3)
سورة البقرة، الآية:275.
(4)
انظر المقاصد: 71.
المبيع، وللبائع في الثمن إذا كان البيع تاماً غير موقوف على الخيار، ولا على موافقةِ ولي الأمر إذا كان أحد المتعاقدين صبياً أو سفيهاً. كما تثبت الملكية عند الإجابة إذا كان البيع موقوفاً.
والمقصد المباشر منه هو انتقال الملك في البدلين، وتبادل الأموال على أعدل وجه وأكمله.
ومن مقاصد البيع الأصلية:
• قضاء حاجات الناس بما بأيدي غيرهم من الأموال أعياناً كانت أم منافع بطريق التمليك أو التملك المؤبد.
• قيام التعاون مع كل العناصر المنتجة الباذلة في المجتمع، ولا غنى للإنسان عن ذلك. ولولا مشروعية البيع لما حصل المرء على حاجته إلا بحرج ومشقة وعسر.
• رفع أوجه التغالب والتناحر حماية لنظام العالم من الفساد والاختلال.
• صد الأقوياء عن أكل أموال الضعفاء.
وبه حفظ ضروريّ الإنسان في النفس والمال. وهما من الكليات الخمس. والأصل في البيع أن يكون حاجيّاً، ويجوز أن يكون تكميليّاً تحسينيّاً.
وقد أوضحت هذه الحقائق الآية الكريمة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (1).
وترتبت على مشروعية البيع مقاصد تابعة ككسب الرزق
(1) سورة الإسراء، الآية:70.
الحلال عن طريق تحريك الأموال بالتجارة، وباستثمارها في أكثر من مجال من مجالات الحياة. ورواج الأموال وتوفير السلع وتيسير طرق الحصول عليها وخاصة فيما يتعلق منها بالطعام. ويكره تداول أثمانها في الذمم لما يترتب على ذلك أحياناً كثيرة من حبس أعيانها وتعطيل الاستفادة منها. وفي هذا مناقضة للمقصد الأساس من تشريع البيع.
ومن المقاصد أيضاً تحصيل ما يحتاج إليه المرء من القوّة الماليّة لتكثير أصول المعاش وتنميتها. ودليل ذلك حضّ الإسلام عليها، والمبادلة في البر والبحر. قال تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (1)، وقال عز وجل:{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2)، وقال جل وعلا:{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم، لمن سأله: أي الكسب أطيب؟. قال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور". والبيع المبرور هو ما يجري في الأمور المباحة. فلا يدخله أي نوع من عقود الربا، ولا يكون من العقود المجهولة، لما يحدث فيها من الغرر في الثمن أو المثمن. ومن غير المبرور كل وسائل الكسب الخبيث مثل الاتجار في أندية الملاهي، والقمار والميسر وما جرى مجراها.
ومن كلام الأئمة في ذلك أن الكسب مباح على الإطلاق، بل هو فرض عند الحاجة (4).
(1) سورة الجمعة، الآية:10.
(2)
سورة النحل، الآية:14.
(3)
سورة الإسراء، الآية:66.
(4)
محمد بن الحسن الشيباني. الاكتساب: 17/ 18.