الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن تنتهي إلى آخر مشتر يتسلم الموضوع محل الصفقة (1). وقد اهتزت لمخاطر هذا النوع من التعامل أسواق كثيرة في العالم، وزلزلت هذه المضاربات، من نحو عشر سنوات أو أكثر، كيان اقتصاد دول النمور الآسيوية في جنوب شرقي آسية.
المساقاة:
المساقاة كذا في لغة أهل الحجاز، وهي المعاملة عند أهل العراق (2).
وهي في اللغة: مفاعلَة من السقي، بأن يقوم شخص على سقي النخيل والكروم ومصلحتهما. ويكون له من ريع ذلك جزء معلوم (3).
وهي في الاصطلاح الشرعي: معاقدة دفع الشجر والكروم إلى من يصلحه بجزء معلوم من ثمره (4).
ولها تعريفات أخرى منها أنها نوع شركة، على أن يكون الشجر من واحد وتربيته من آخر، ويقسم ما يحصل من الثمرة بينهما (5).
ومنها أنها دفع شجر مغروس معلوم ذي ثمر مأكول لمن يعمل عليه، بجزء شائع معلوم من ثمره (6).
(1) د/ عبد الهادي النجار: 119.
(2)
د/ وهبة الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته: 5/ 630.
(3)
ابن فارس: مادة ع م ل.
(4)
الزيلعي. تبيين الحقائق: 5/ 284؛ الكاساني. بدائع الصنائع: 6/ 185؛ الحصكفي. الدر المختار: 5/ 200؛ اللباب: 2/ 233؛ ابن جزي: 279؛ مغني المحتاج: 2/ 322؛ كشاف القناع: 3/ 502.
(5)
المجلة العدلية: م. 1441.
(6)
علي فرهود أحمد. مجلة الأحكام الشرعية. المادة 1947.
ومنها كذلك أن يدفع الرجل كرمه أو حائط نخله أو شجر تينه أو زيتونه أو سائر مثمر شجره لمن يكفيه القيام بما يحتاج إليه من السقي والعمل مقابل أن ما أطعم الله من ثمرها يكون بينهما نصفين، أو للعامل جزء معلوم من الثمرة. وهذه رخصة مستثناة من كراء الأرض بما يخرج منها، ومن بيع الثمرة والإجارة بها، ومن الإجارة المجهولة، ومن بيع الغرر (1).
ومحلّ المساقاة عند الحنفية: الشجر المثمر كالنخل والشجر والكروم والرطاب وأصول الباذنجان. وجوازها للحاجة وهي تعمُّ الجميع. وزاد المتأخرون من أهل المذهب من مواضعها الشجر غير المثمر كشجر الجوز والصفصاف والشجر المتخذ للحطب إذا كان يحتاج إلى السقي والحفظ، وإلا لم تجز المساقاة فيه.
وتقع عند المالكية على الزروع ما عدا البقول، وعلى الأشجار المثمرة ذات الأصول الثابتة ككرم العنب والنخيل والتفاح بشروط. ورجح الشيخ ابن عاشور جريانها في الزرع كما في الشجر إذا كان الزرع يحتاج إلى العمل (2).
وتَرِد عند الحنابلة على الأشجار المثمرة المأكولة فقط. فلا تصح في غير المثمر منها كالصفصاف والجوز، والعفص والورد ونحوها.
وذهب الشافعي في الجديد إلى أن مورد المساقاة محصور في النخل والعنب لا غير.
وللمساقاة الصحيحة أحكام تختلف بين المذاهب.
(1) التسولي. شرح التحفة: 2/ 189.
(2)
المقاصد: 494.
فعند الحنفية لها خمسة أحكام. هي:
(1)
أن كل ما كان من أعمال المساقاة مرتبطاً بالشجر ونحوه كالسقي وإصلاح النهر، والحفظ والتلقيح مما هو من توابع المعقود عليه فهو على العامل. وأن كل ما تدعو إليه الحاجة من مصاريف على المساقاة كالسِّرقين وتقليب الأرض، والجذاذ والقطاف فعلى المتعاقدين كليهما.
(2)
أن الخارج عن المساقاة يكون للطرفين على الشرط المتفق عليه. فإن لم يخرج الشجر شيئاً فلا شيء لواحد منهما على الآخر.
(3)
أن العقد لازم للجانبين، ولصاحب الأرض إجبار العامل على العمل إلا لعذر.
(4)
أنّ الزيادة على الشرط والحطّ فيه جائزة كما في المزارعة. وتكون الزيادة من الطرفين، ولا تجوز من صاحب الأرض للعامل ولا زيادة صاحب الأرض.
(5)
ليس للعامل مساقاة غيره إلا بتفويض من صاحب الأرض. فإن خالف العامل بأن عامل غيره على زرع الشجر كانت الثمرة لصاحب الشجر، ولا شيء للعامل الأول، وللثاني أجر مثل عمله على العامل الأول.
وأحكام المساقاة عند المالكية تتفق في الغالب مع ما عند الحنفية. وعمل المساقي فيما لا تعلّق له بالثمرة لا يجوز اشتراطه عليه، ولا يَلزم العقدُ العاملَ به إلا فيما لا بال له كَشدِّ الحظيرة وإصلاح الضفيرة.
وتفسد المساقاة في شجر لا ينقطع إثماره في وقت من السنة كشجر الموز والقضب. وإذا كان الشجر مما يخلف لم تصحّ مساقاته
حيث كان لا ينقطع. أما ما يخلف مع كونه يقطع كالسدر فيصحّ (1). وتعتمد المساقاة أيضاً فيما تطول مدة إثماره لصغره كالمساقاة على ودي النخل ونشء شجر الزيتون (2).
أما ما يتعلق بالثمرة فما كان مما يبقى بعدها كحفر البئر، وإقامة الساقية وبناء محل للتخزين وغرس للشجر فهو مما لا يقتضيه العقد فلا يُلزَمُ به ولا يجوز أن يُشترطَ عليه.
وأما ما يتعلق بالثمرة وما يبقى بعدها فهو على العامل بمقتضى العقد. وذلك كالتقليم والجذاذ والسقي. وعليه جميع المؤن من الآلات والأسمدة والأجراء ونفقتهم من كل ما يلزم الشجر عُرفاً.
وحق العامل جزء من الثمرة حسبما يقع الاتفاق عليه بين الطرفين، ويجوز أن تكون كلها له. وإذا لم يثمر الشجر فلا شيء لأحد المتعاقدين.
وأما الشافعية والحنابلة فهما يتفقان مع المالكية في تحديد الملزَم بالعمل، وفي حق العمل. ويقولون في ذلك: كل ما يتكرر كل عام فهو على العامل وما لا فعلى رب المال (3).
وعلى العامل ما يحتاج إليه لصلاح الثمر ونمائه، مما يتكرر كل سنة في العمل ولا يقصد به حفظ الأصل. وأما ما يقصد به حفظ الأصل أي الشجر ولا يتكرر كل سنة فهو على المالك.
واختلف قولهم في الجِذاذ فهو على العامل في المذهبين وعند الحنابلة. وهو على المالك والعامل معاً بقدر نصيبهما عند الحنفية.
(1) الزرقاني. شرح خليل: 6/ 236.
(2)
المقاصد: 500.
(3)
مغني المحتاج: 2/ 228؛ المُهذب: 1/ 392؛ ابن قدامة. المغني: 5/ 369؛ كشاف القناع: 3/ 518، 521.
والمساقاة عقد لازم من الجانبين كالإجارة عند الجمهور من الشافعية والحنفية والمالكية. وغير لازم عند الحنابلة. وإن هرب العامل عند هؤلاء، فلرب المال الفسخ لكون المساقاة عندهم عقداً جائزاً غير لازم. وذهب الجمهور ممن يقول بلزوم العقد: لو هرب العامل قبل الفراغ من العمل، وأتمّه المالك متبرّعاً بالعمل بقي استحقاق العامل كتبرع الأجنبي بأداء الدين، ولو لم يتبرّع المالك بالعمل استأجر الحاكمُ بعد رفع الأمر إليه على العامل من يتم العمل من مال العامل. فإن عجز المالك عن مراجعة الحاكم أشهد المالك على العمل بنفسه، أو على الاتفاق إن أراد الرجوع بما يعمله أو ينفقه. ذلك أن الشهادة حالّ قيام العذر كالحكم، ويلزمه التصريح في الإشهاد بحق الرجوع على العامل.
ولم يجز أبو حنيفة وزفر المساقاة لأنها من قبيل الاستئجار ببعض الخارج من الأرض وهو منهي عنه.
وقال بمشروعية المساقاة أبو يوسف ومحمد صاحبا الإمام أبي حنيفة، وجمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد استدلالاً بمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر. وفي هذا قوله ليهود خيبر: أقرّكم فيها ما أقرّكم الله عز وجل على أن الثمر بيننا وبينكم. وفي رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر دعا اليهود فقال: نعطيكم على أن تعملوها. أقرّكم ما أقرّكم الله (1). وقد جرى على هذا الصحابة، لعمل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدين وأهل المدينة، ولإجماع الصحابة عليه (2).
(1) ابن عبد البر. الاستذكار: 21/ 195 - 196/ ف 31007.
(2)
ابن قدامة. المغني: 5/ 384؛ تكملة فتح القدير: 8/ 45؛ مغني المحتاج: 2/ 322.