الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال القاساني والنهرواني وداود بن علي الظاهري: التعبّد بالقياس واجب شرعاً إذا كان حكم الأصل منصوصَ العلّة (1) إمّا بتصريح اللفظ أو بإيمائه. وذلك كأن يقول الشارع: الخمر حرام للإسكار فيقاس النبيذ عليها.
وكذلك إذا كان الفرع أولى بالحكم من الأصل، مثل قياس الضرب على التأفيف بجامع الإيذاء في الكل، يثبت له التحريم. فإن الضرب أولى بالتحريم من التأفّف، لشدّة الإيذاء فيه.
وفي غير هاتين الصورتين يحرم العمل بالقياس. ولا دخلَ للعقل في الإيجاب ولا في التحريم.
وذهب ابن حزم وأتباعه إلى أن التعبّد بالقياس جائز عقلاً، ولكن الشرع لم يوجد فيه ما يدلّ على العمل به.
وقالت الشيعة الإمامية والنظّام في أحد النقلين عنه: إن التعبّد بالقياس محال عقلاً (2).
التعبّدي:
يقابل المعلل من الأحكام، في عُرف الفقهاء والأصوليين، التعبّدي منها. وهي أمران:
(1) قال أبو محمد ابن حزم والآمدي: إن داود يقول بالقياس إذا كانت العلة منصوصة كمذهب القاساني والنهرواني. وأما نحن فلا نقول بشيء من القياس. السبكي. الإبهاج: 3/ 7.
(2)
الرازي. المحصول: 2/ 245 - 299؛ الآمدي. الإحكام: 2/ 234 - 241؛ البصري. المعتمد: 2/ 215 - 234؛ الأسنوي. نهاية السول: 4/ 6 - 22 وغيرها؛ فرغلي: 355.
الأول: أعمال العبادة والتنسك.
الثاني: الأحكام الشرعية التي لا يظهر للعباد في تشريعها حكمة غير مجرد التعبّد.
وذهب أكثر العلماء إلى أن المشروعات من التَعبُّديات كانت لحكمة. ودليل ذلك استقراء تكاليف الله على كونها جالبة للمصالح دارئة للمفاسد.
وتقدم للشاطبي ممّا أوردناه من قوله: "إن كل الأحكام الشرعية معلّلة بمصالح العباد في الدنيا والآخرة". وهذا مذهب المعتزلة واختيار أكثر الفقهاء المتأخّرين.
وقال ابن القيم: شرع الله العقوبات ورتّبها على أسبابها، جنساً وقدراً. فهو عالِم الغيب والشهادة وأحكم الحاكمين وأعلم العالِمين. أحاط علماً بوجوه المصالح دقيقها وجليلها، خفيِّها وظاهرها، ما يمكن اطلاع البشر عليه وما لا يمكنهم. وليست التخصيصات والتقديرات خارجة عن وجوه الحِكم والغايات المحمودة، كما أن التخصصات والتقديرات الواقعة في خلقه كذلك (1).
أما الغزالي فقد بيّن حكم تشريع التعبّديات بقول مجمل غير مفصّل، قال: وظّف الله على العباد أعمالاً لا تأنسُ بها النفوس، ولا تهتدي إلى معانيها العقول. وبها يظهر كمال الرق والعبودية لله.
وأكثر ما يكون من التعبّديات في أصول العبادات، وفي نَصب أسبابها، وفي الحدود والكفارات، وفي التقديرات العددية بوجه عام.
وقال العزّ بن عبد السلام: يجوز أن تجرد التعبديات عن جلب المصالح ودرء المفاسد. ثم يقع الثواب عليها، بناء على الطاعة
(1) إعلام الموقعين: 2/ 120 بتصرف.