الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما ورد في الأثر أن أشرف الكسب كسب الرجل من عمل يده (1)، وأن من الذنوب ما لا يغفره إلا السعي في طلب الرزق (2).
°
اختيار المسؤولين والعمال:
راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأصول والمبادئ في تكليف المسؤولين والعمال. فأسند المهام إلى أهليها والمسؤوليات إلى من يقوى على تحملها والقيام بها. واختار الرسول الكريم خاتمُ النبيين هذا المنهج في تعيين أعضاده فيما يحسنونه من مال، ويكون مناسباً لكل خطة أو جهد. فاختار معاذ بن جبل، وهو من تشرف بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، للولاية على اليمن، وذلك لدينه وفقهه ورجاحة عقله وكمال خلقه. واختار عمر بن الخطاب عاملاً على الصدقات لعدله وحزمه، وخالداً لإمارة الجيش لبسالته ومهارته وحنكته العسكرية، وبلالاً الأمين الحافظ لبيت مال المسلمين لرجاحة أمانته وحُسن تدبيره. ولم يكن يحكّم في اختياراته ولا في إسناده الولايات، قرابةً أو صداقة أو علاقة مادية أو غيرها. وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال:"من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة، فعليه لعنة الله، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخل جهنم"(3). وقد جعل من أسباب التهارج، وظهور الفتن
(1) البزار في مسنده، والحاكم في مستدركه. من رواية سعيد بن عمر عن عمه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وهو عندهما بلفظ المتن. ورواه أحمد من حديث رافع بن خديج. قال: يا رسول الله أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. الزبيدي: 5/ 415.
(2)
وورد بلفظ: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهمّ في طلب المعيشة. رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية؛ الزبيدي: 5/ 414.
(3)
حَم: 1/ 6.
وفساد الأمر، إسنادَ الأشياء إلى غير أهلها. وذلك قوله:"إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"(1).
ولا يقف اختيار العامل المسلم، ولا إسناد الأمر إليه عند الحد الذي وصفنا، حتى يلتزم بما أمر الله به، ويحافظ على الكليات الخمس التي عمت كل الشرائع واتفق عليها الناس جميعهم. فتلك المحافظة هي التي تقي الناس العدوان، وتمنعهم الظلم، وتحقق لهم المقاصد، وتجلب لهم المصالح، وتدرأ عنهم المفاسد.
ومن كريم صفات العامل أن يخشى الله ويتقيَه. قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2)، وقال جل وعلا:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3).
وقد أتيحت للعامل فرص الاكتساب بمعونة الله وفضله. فعليه أن يستقيم كامل الاستقامة في أموره كلها. فيؤدي عملَه على الوجه المطلوب غير منقوص ولا معيب، وبدون غش أو خيانة، لأي سبب من الأسباب التي تحمل على الانحراف عن الحق. فإن الواقع في هذا واقع في الحرام، لا يُبعد عنه أخطار التجاوز في العمل بما يسيء به إلى الناس، ولا ينجيه من عقاب الله إلا أن يضع نصب عينيه قوله تعالى:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (4). وتتطلب هذه الأنواع من السلوك الإخلاص والإتقان في العمل. فالله يوفي المستقيم أجره.
(1) ملا قاري. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 5439.
(2)
سورة فاطر، الآية:10.
(3)
سورة الكهف، الآية:110.
(4)
سورة سبأ، الآية:37.
والإنسان حيثما كان لا ينبغي أن يشعر بالضعف والانهزام أمام المشاكل الاقتصادية المتزايدة يوماً بعد يوم. فإن في هذه الصعوبات من الدوافع والحوافز ما يحمل على التفكير الجدي، وبذل أقصى الجهد لتغيير وجه الحياة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنك لا تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها"(1).
والتنمية الاقتصادية التي يقوم بها المسلم في وطنه هي جزء من مضمون استخلاف الله له في الأرض. ومتى تحقق التطور والرقي فيمن حوله من الأفراد والجماعات رضيت نفسه، وشكر الله على ما هيأه وأتاحه له من أسباب النجاح. وهذا ما يدعو له سبحانه في قوله:{تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (2).
وجعَلت الدراسات الحديثة عناصرَ الإنتاج التي يكاد يجمع عليها الاقتصاديون اليوم أربعةً: هي الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم. وكل واحد من هذه العناصر يؤدي بذاته وظيفة مستقلة. ولكن الإنتاج يمكن أن يتأتّى باشتراك هذه العناصر جميعها مجتمعة أو متعاونة بدرجة معينة لكل منها .. وصدرت في هذا المجال البحوث العلمية المتطورة باستمرار نحو فهم أكمل لأسرار الطبيعة وقوانينها. وأصبح الإنتاج عملاً تقنياً يعتمد بدرجة كبيرة الآلات الكهربائية والإلكترونية، ويزداد الاتجاه في تسارعه نحو الوصول إلى إتمام العمليات الإنتاجية في كثير من النشاطات، وإلى تطوير مختلف المنتجات التي تحويها الأرض في جوفها. وهكذا أصبحت الطبيعة
(1) تمامه: حتى ما تجعل في فم امرأتك. حديث سعد بن أبي وقاص. 2 كتاب الإيمان، 41 باب ما جاء أن الأعمال بالنيات. خَ: 1/ 20.
(2)
سورة هود، الآية:61.